زاد الاردن الاخباري -
لم تتخيل نبيلة بهار، أن تودع نجلها «محمد» بهذه الطريقة المأساوية، خاصة أنه من ذوي الهمم، فرغم ما عاشته وعانته السيدة الفلسطينية طوال حياتها من الاحتلال الإسرائيلي لبلادها، لم يخطر في بالها أن يفارق أصغر أبنائها الحياة على يد قوات جنود الاحتلال وبطريقة وحشية.
«كان بدي أسعفه.. بده يشرب مية»، بهذه الكلمات بدأت «نبيلة» حديثها لـ«الوطن»، عن الليلة التي شهدت رحيل ابنها، بعدما هاجم جنود الاحتلال الإسرائيلي منزلها، «اللي حصل أنه الجيش الإسرائيلي كان محاوط البيت كله، وكان فيه طائرتين فوق الدار، وصار يفجروا القنابل الصوتية، وفضلنا نقول إحنا مدنيين عشان ما يهجموا علينا، ودخلوا كلبين علينا، ومحمد في هاد الوقت كان موجود على الكنبة اللي بيقعد عليها دايما، حاولنا نقومه من علينا لكن ما رضي أبدًا، هو عنده متلازمة داون».
توسلات الأم
رفض «محمد»، 25 عاما، التحرك من مكانه حتى هاجمته الكلاب، ورغم أنه لا يتحدث بسبب مرضه، لكنه حاول النطق بكلمات بسيطة لمحاولة إبعاد الكلاب عنه دون استجابة من جنود الاحتلال لتوسلات الأم التي لا تملك سوى الصراخ: «تعالوا خدوا الكلب من هون.. ابني معاق حرام عليكوا».
نقل 5 من جنود الاحتلال «محمد» إلى إحدى غرف المنزل بمفرده، وسلطوا أسلحتهم عليه، رغم الدماء التي تخرج من يديه إثر مهاجمة الكلاب له، «بعدها دخلوني وأنا وأخوته في غرفة في الطابق الأسفل من الدار، وظلوا يقولولنا اركعوا، كنا حوالي 17 شخص، فضلت أقول للجنود ليش تحبسوا ابني، أنا بدي أسعفه معي شنطة إسعافات»، ولكن نداءات الأم لم تجد سوى المزيد من القسوة ضدها وأسرتها لمدة 3 ساعات، كما استخدموا قنبلة في تفجير باب المنزل.
معاناة الساعات الأخيرة في حياة «محمد»
3 ساعات كاملة مرت على الأم كأنها سنوات طويلة، تحاول الوصول إلى ابنها في موقعه، وحينما سُمح لها بالوصول إليه، وجدته ينزف، «بعد ما دخلت على ابني الغرفة، سمعته بيقول بدي مية، وهو ما بيعرف يشرب لحاله، لكن الجنود رفضوا، فضلت اترجاهم يا عالم ابني عنده متلازمة داون وتوحد، وبيحط حفاظات، ما بيعرف يعمل شيء لحاله، لكن رفضوا تماما، وبعدها اختفى صوته بالمرة».
فارق «محمد» الحياة بعد ساعات قليلة من هجوم الكلاب عليه، ولم يرحم جنود الاحتلال الأم التي فقدت ابنها أمام عينيها، حيث أجبروا الأسرة على مغادرة المنزل، حاملين الرايات البيضاء، فيما ظل في البيت، وبعد 7 أيام انسحبت القوات الإسرائيلية وتمكنت عائلة الشاب الفلسطينية من رؤيته ليجدوه متحللا بينما تمتلئ الغرفة بالدماء.
آخر ما قاله «محمد» قبل وفاته
قبل ساعات من دخول جنود جيش الاحتلال، كانت الابتسامة تزين وجه «محمد» الذي ظل يردد: «حبيبي يا بابا»، وكأنه كان يعلم بأنه سيلحق بوالده الذي سبقه إلى الشهادة، بينما قالت له والدته: «شو ها الابتسامات الحلوة، ان شا لله يكون فال حلو والجيش ينحل عن أرضنا».