قد يعد مشهدا عاديا أن تعتاد عيناك رؤية الرجال والنساء يدخنون التبغ، أكان سجائر مصنعة أم أرجيلة، لكن ما يجعل في القلب غصة تلك المشاهد المتعلقة بمئات الـ"فتية"، الذين لم تتجاوز أعمارهم الرابعة عشرة بعد، وهم ينفثون دخان "الأرجيلة" في المقاهي.
وتعلم الحكومات المتعاقبة علم اليقين بأن الأردن يصنف الأول عالميا بعدد المدخنين، الذين تبلغ نسبتهم 50.3 %، منهم 9.2 % يدخنون السجائر الإلكترونية وأجهزة الـ"vape"، و41.1 % يدخنون التبغ التقليدي، فضلا عن أن التدخين يتسبب بوفيات وأمراض وخسائر اقتصادية جمة، إلا أن ذلك لا يشكل أهمية تذكر لديها لمكافحته أو التخفيف من آثاره السلبية.
يبدو أن أمر"عدم الاهتمام" اعتاده المواطن الأردني، لكن الخوف يكمن بعدم الاهتمام بتلك الفئة التي لم تتجاوز بعد الثامنة عشرة من عمرها، إذ تؤكد الأرقام الرسمية أن متوسط أعمار الذكور عندما بدأوا بالتدخين هو 17 عاما، والإناث 24 عاما، في حين تعد الفئة العمرية(13 و15 عاما) الأكثر تدخينا.
تقرير صحفي للزميل عدي صافي من قناة رؤيا، يؤكد وجود نحو ثلاثة آلاف مقهى مرخصة ضمن حدود أمانة عمان الكبرى، تقدم"الأراجيل" للأطفال، بلا أي رقابة أو محاسبة.. الأنكى من كل ذلك، وما نستطيع أن نطلق عليه "عذر أقبح من ذنب"، هو ما تلوكه ألسن أصحاب مقاه مبررين ذلك بالحالة الاقتصادية الصعبة.
إذا كان لهذه الفئة من اهتمام لدى الدولة، فعليها إعداد إستراتيجيات وخطط، من أجل التقليل من الأضرار التي تلحق بالأطفال جراء ممارسة تلك العادة السيئة والمضرة، تبدأ بتشديد أو تفعيل الرقابة على المقاهي التي تقدم "الأرجيلة" لمن هو دون الثامنة عشرة، خصوصا أن بعض مالكي المقاهي يؤكدون أن فرق التفتيش المتخصصة للرقابة على تقديم "الأراجيل" للأطفال لم تزرهم منذ عام.
ولكي نكون منصفين، فإن مسؤولية مكافحة التدخين أو تقليل أضراره، لا تقع فقط على الدولة، ممثلة بالجهات المعنية، بل هي عبارة عن حلقة متكاملة، فصاحب المقهى يتوجب عليه عدم تقديم "الأرجيلة" للأطفال، الذين كثير منهم يؤكدون أنهم لا يواجهون صعوبات في هذا الشأن، حتى أن بعضهم يؤكد أنه طوال فترة تدخينه لم يرفض القائمون على المقاهي تقديم "الأرجيلة" لهم.
ثم إن أولياء الأمور تقع على عاتقهم مسؤوليات جمة أيضا، إذ يتوجب عليهم عدم التدخين أمام أطفالهم، أو على الأقل عدم الطلب من الأطفال تجهيز "الأرجيلة" من إشعال الفحم، أو إحضار التبغ ووضعه في رأس "الأرجيلة"، فضلا عن ضرورة تقديم النصح لهم بأضرار التدخين بشتى أنواعه.
تبقى هناك نقطة يجب الإشارة إليها والتركيز عليها، وتتمثل بأن القيمة الحقيقية للضرائب والرسوم المفروضة على بيع التبغ، ما تزال حتى كتابة هذه السطور "مجهولة" تماما، وتصنف كأسرار من الدرجة الأولى، على الرغم من أن المعلومات والأرقام المتوفرة تشير إلى أن التبغ يرفد خزينة الدولة بمئات الملايين من الدنانير، جراء الضرائب والرسوم.
إذا، لنجعلها حربا على التدخين بمعنى الكلمة، فهذه الآفة تتسبب في خسائر اقتصادية إجمالية تبلغ 1.6 مليار دينار سنويا، أي ما يعادل6 % من إجمالي الناتج المحلي، فضلا عن 399 مليون دينار بسبب الوفيات المبكرة، و204 ملايين دينار بدل تكلفة إنفاق على الرعاية الصحية للمدخنين.. ولا ننسى أن تعاطي التبغ يتسبب بوفاة 24.7 أردني يوميا، بمعدل سنوي يصل لـ9027، منهم 56 % وفيات "مبكرة".