في العملية الانتخابية الاردنية ثمة عوائق مستعصية. وبحكم دراية واستطلاع انتخابي يبدو ان ازمة الانتخابات ليست في تعديل قانون انتخاب واحزاب، وغيرها من تشريعات المنظومة السياسية.
في الانتخابات النيابية ثمة استعصاء عويص. وفي استشراف العملية الانتخابية الحالية، والتي تدخل مربعها الثاني، والاستحقاق الدستوري يقترب من اعلان الترشح قانونيا للانتخابات، ويفصلنا حوالي 8 اسابيع عن يوم الاقتراع. فمن هم المترشحون للانتخابات النيابية؟ رجال اعمال وجهاء تقليديون. ومن بين حوالي 1200 مرشح للانتخابات، ويتصدرهم هذا الصنف والشكل من المرشحين. وهذا الشكل من المرشحين طاغ في الانتخابات. وبروز هذه الفئات والشرائح الطبقية عنوان لمرحلة من عمر الدولة الاردنية. وهو وليد وانتاج لتحولات اجتماعية واقتصادية شهدها الاردن في العقود الاخيرة.
وهم، عنوان لاقتصاد السوق والانفتاح الاقتصادي، والليبرالية الاقتصادية، وعنوان للخصخصة، وعنوان لتحالفات البزنس والسلطة.
فنمت طبقة من رجال الاعمال والمقاولين، وحلوا مكانة المثقف والسياسي الوطني، والبيروقراط المدني والعسكري. وفي الانتخابات من عقدين واكثر، وهم يزاحمون بالترشح، ويزاحمون في حجز مقاعد وافرة تحت قبة البرلمان، ويحظون في تمثيل عال في البرلمان، وحصة وحظوة سياسية مؤثرة وفاصلة في صناعة القرار.
في الانتخابات لا تسمع عن برامج انتخابية، ولا حتى شعارات انتخابية، اختفى العنوان الانتخابي. والانتخابات لا تجري بين تيارات حزبية وسياسية، واجتماعية.
صراع وتنافس بين اشخاص ومجموعات من الاشخاص، القدرة على التقدم والفوز الانتخابي مقرونة بكم سوف تنفق على الحملة الانتخابية.
و حتى الاخوان المسلمين، وان حاولوا ان يتطهروا من «المال السياسي»، الا انهم يخوضون معاركهم الانتخابية بقوة المال، ولكن بشكل تنظيمي وسري، وبالتقية التنظيمية والسياسية. وما هو برنامج الاخوان المسلمين الاقتصادي والاجتماعي والسياسي؟ جل جهادهم السياسي يصب نحو الحصول على حصة اكبر تحت قبة البرلمان، وان يتمكنوا من السلطة. وفي تجربتهم في البرلمان والسلطة سوى في الاردن او دول عربية اخرى، ماذا فعلوا؟ استنساخ من النخب والقوى السياسية التقليدية. ومثال تونس ومصر والسودان ما زال حيا وماثلا. الموضوع ليس صندوق الانتخاب، والموضوع ليس الترشح للانتخابات، والموضوع ليس وجود احزاب او العكس. وثمة ما يوجب اليوم ضرورة التفكير في حماية «صندوق الاقتراع» اولا، وارادة الناخبين ثانيا.
هناك قوى مستفيدة ومتنفعة، و مصلحتها افساد «صندوق الاقتراع» ، وان تكيف العملية الانتخابية على مقاسها ومصالحها الطبقية والسياسية.
و مهما بلغنا من اقرار قوانين انتخابات واحزاب، فهذا ليس مفتاح الحل والنجاة والخلاص الديمقراطي.
وفي الانتخابات الاردنية تعمقت سيطرة طبقة وشريحة من رجال اعمال ومتنفذين، وامسكوا في اللعبة الانتخابية، واحدثوا شرخا بين المواطن وصندوق الاقتراع، والارادة العامة. وقد بلغت الضبابية في انعدام العدالة والمساواة الانتخابية بحرمان نخب مثقفة وسياسية وبيروقراطية اردنية من الترشح للانتخابات.
واعرف كثيرين يحرمون من الترشح، وهم من افضل الاردنيين، ليس لاسباب جنائية، وعدم حصولهم على شهادة عدم محكومية، ولكن لانهم لا يملكون المال الوافر والكافي للانفاق على حملة انتخابية، والانفاق على تشكيل قائمة انتخابية، والانفاق على ايصال الناخبين الى صناديق الاقتراع.