صحيح أن انتخابات الرئاسة الأمريكية شأن أمريكي محلي، لكنّ نتائجها تنعكس على العالم بأسره، خصوصا منطقتنا التي تمرّ بظروف جيوسياسية خطيرة.. ولذلك فإن أية متغيرات أو مستجدات في سباق الرئاسة تستوجب إعادة الحسابات وقراءة المشهد من جديد.
من هنا.. وبإعلان الرئيس الامريكي جو بايدن تنحّيه عن سباق الرئاسة، ودعمه لنائبته كامالا هاريس، يرى مراقبون أن نتيجة الانتخابات الامريكية المقررة 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل (ربما تكون) قد حسمت مبكّرا لصالح المرشح الجمهوري دونالد ترامب وذلك لعدة أسباب:
1 - أنّ النتيجة محسومة منذ المناظرة التاريخية التي هزم فيها الرئيس بايدن هزيمة نكراء بحسب رأي الديمقراطيين أنفسهم الذين تابعوا مناظرة كان فيها ترامب هو الأقوى والأكثر حضورا، وبسببها تحرّك كبار الحزب الديمقراطي للضغط على بايدن للتنحّي واختيار من هو أقدر على مواجهة الاعصار الجمهوري وإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعد قناعتهم بعدم قدرة الرئيس بايدن على مواجهته وإحراز النصر.
2 - نتائج الاستطلاعات بعد المناظرة إياها في الولايات «المتأرجحة» أظهرت تقدّم -لا بل - انتصار ترامب فيها.
3 - زاد التعاطف مع الجمهوري ترامب بعد حادثة محاولة الاغتيال التي تعرّض لها وزادت من قوة موقفه الانتخابي.
4 - عامل الوقت ربما جعل الرئيس بايدن يتنحّى وبضغوط من مقربين مزكّياً نائبته لاكمال المشوار رغم رأي عدد من كبار الديمقراطيين بأنّ هناك من هو أقدر على مواجهة المرشح الجمهوري من كامالا هاريس.. وفي مقدمة هؤلاء حاكم كاليفورنيا غافن نيوسوم، وحاكمة ميشيغان غريتشين ويتمي، لكنّ كليهما سارعا فور اعلان الرئيس بايدن تنحّيه عن سباق الرئاسة الى تأييد كامالا هاريس ودعمها في سباق الرئاسة، وحتى كلينتون وزوجته هيلاري أثنيا على قرار بايدن وسارعا بإعلان تأييد هاريس.
5 - رغم كل ذلك يبقى سؤال مهم وهو: مدى قدرة كامالا هاريس على منافسة ترامب في سباق الرئاسة.. ولذلك لا بد من الاشارة الى نقاط القوة ونقاط الضعف في ترشح كامالا هاريس:
*أولا: نقاط القوة:
-دعم الرئيس بايدن وتزكيته لها.
-موافقة الداعمين لحملة بايدن بتحويل الدعم لحملة هاريس الانتخابية.
-أنها نائبة للرئيس على مدى السنوات الماضية.
-تولّت مناصب مهمة أبرزها المدعي العام لولاية كاليفورنيا.
-أول امرأة وأول «ملوّنة» تتولى منصب نائب الرئيس.
-أصولها من أب جامايكي وأم هندية سيساعدها كثيرا على كسب أصوات الاقليات والاصول الآسيوية والافريقية.
-تعاطف الأمريكيين مع المرأة عموما قد يساعدها لتكون أول سيدة تتولى رئاسة الولايات المتحدة.
-كل هذه النقاط تمنحها أفضلية بتأييد «المؤتمرالعام للحزب الديمقراطي»واعلانها مرشحة عنه في اجتماعات الحزب آب المقبل.
*ثانيا: نقاط الضعف:
-ضيق الوقت حتى موعد الانتخابات.
-يراها البعض أنها مرشحة «الضرورة»، والاّ فهناك من هو أقوى منها للترشح عن الحزب الديمقراطي.
-تاريخ الولايات المتحدة الحافل بالتمييز العنصري والجنسي، يرى كثيرون أنه قد يحول دون نجاحها.
6 - رغم كل ذلك.. فإن غالبية الديمقراطيين يرون أن هاريس هي»المنقذ» لهم من هزيمة نكراء كان الحزب سيمنى بها في حال أصرّ الرئيس بايدن على المضي قدما بسباق الرئاسة.
7 - مواقف العالم من سباق الرئاسة الأمريكية أكثر وضوحا هذه المرّة من مرّات كثيرة سابقة، وهذا مردّه باعتقادي لشخصية المرشح الجمهوري (المجرّب سابقا)، ولمعرفة دول العالم بطريقة إدارته وقراراته حين كان رئيسا للولايات المتحدة، لذلك هناك دول تؤيد هاريس وتتمنى فوزها وفي مقدمة تلك الدول: أوكرانيا والاتحاد الأوروبي، وفي منطقتنا الديمقراطيون أفضل لايران من ترامب الجمهوري..وهناك دول تتمنى فوز ترامب وتدعمه بكل قوة وفي مقدمتها «اسرائيل نتنياهو»، كما أن العلاقات الروسية مع ترامب أفضل بالتأكيد من مرحلة بايدن..أمّا الصين فحكاية أخرى، فهي مستهدفة اقتصاديا وتجاريا من الحزبين.
8 - بالنسبة للأردن.. فالمملكة لها علاقات تاريخية ايجابية مع الحزبين الديمقراطي والجمهوري، لكن حين نتحدث عن الاشخاص فلا بدّ من الاشارة الى أن العلاقات بالتأكيد وطيدة جدّا وأفضل بكثير مع نائبة الرئيس كامالا هاريس على الصعيدين الشخصي والرسمي لقربها من كثير من ملفات المنطقة ودعمها للاردن طوال السنوات الاربع الماضية وقد انتقدت اسرائيل في حربها على غزّة في أكثر من موقف ودعت صراحة لوقف القتال، مقارنة بالمرشح الجمهوري ترامب صاحب «صفقة القرن».
*باختصار: قد لا يسعف الوقت -وأمور أخرى-الديمقراطيين للفوز، لكنّ كامالا هاريس بالتأكيد هي الخيار الأفضل في هذا الوقت، وسيزيد من فرص فوزها مناظرتها المرتقبة ضد المرشح الجمهوري، لأنّ أداءها سيكون الأقدر على اعادة الكمّ الأكبر من أصوات الولايات المتأرجحة.. والأيام القادمة تبدو حبلى بالمفاجآت والمتغيرات في السباق نحو انتخابات الرئاسة 5 نوفمبر المقبل.