يقول وزير الخارجية الأسبق، مروان المعشر، إن عودة ترامب تعني العودة إلى صفقة القرن، التي تقضي بعدم وجود حل الدولتين، مما يعني حلا على حساب الأردن.
تصريحات المعشر عادة ما تتسم بكونها تحليلية ومعلوماتية ووازنة، وهذا لا يمنع من الاختلاف معه ولو من جانب تحليلي، وما يمكن أن يقال هنا بشكل واضح يتعلق بعدة نقاط ترتبط بالمشهد الحالي، على ضوء تصريحات المعشر، التي تتطابق مع أراء كثيرين أيضا.
معايير التحليل السياسية، تتغير كما هو معروف، بين مرحلتين، حتى لو كانت الأسماء هي ذاتها التي تعود إلى السلطة، أو الحكم، وهذا يعني أن القياس هنا لا يخضع فقط لمرحلة الرئيس الأميركي السابقة، وما كان يريده من خلال صفقة القرن، وتصفية القضية الفلسطينية، وتحويل الوضع في الضفة الغربية إلى مجرد مجاميع سكانية بحاجة إلى دولة حاضنة تتولى شؤونهم، أي الأردن تحديدا في قصة الضفة الغربية، وما يرتبط بتاريخها.
صفقة القرن، يتم تنفيذها حاليا بشكل عسكري، حتى لا نبقى نتحدث عن صفقة القرن من زاوية سياسية، وربما يأتي الرئيس الجديد، ليتممها سياسيا، إذا كان الفائز هنا ترامب.
صفقة القرن قامت أساسا على شطب القضية الفلسطينية، وحق العودة، ووكالة الأونروا التي تعبر عن حقوق اللاجئين، وتعتمد على خرائط جديدة، وإنهاء لمشروع الدولة الفلسطينية، وتغيير خريطة علاقات إسرائيل العربية والإقليمية وطي كل هذا الملف.
ما يجري على أرض الواقع هو الوجه الثاني لصفقة القرن، أي الجانب العسكري، من خلال تدمير قطاع غزة كليا، وفصله تماما عن الضفة الغربية بما يعنيه على صعيد مشروع الدولة المتصلة، وما يجري في الضفة الغربية من سطو على أغلب الأرض الفارغة أيا كانت تصنيفاتها، وتجفيف موارد سلطة أوسلو المالية تمهيدا لتفكيكها، ضمن مخطط إسرائيلي أكبر يتعلق بهوية الذي سيرث الرئيس الحالي، وماذا سيحدث في الضفة، خصوصا، مع الكلام عن تقسيم الضفة داخليا إلى مدن مفصولة، بزعامات محلية، على طريقة " أمراء الحرب والسلام"، في حال لم يتم التوافق على رئيس فلسطيني جديد مستقبلا.
يلتحق بكل هذا التصعيد العسكري في الضفة الغربية، ما يجري من سطو على غور الأردن، وما نراه في القدس، ثم إعلانات المسؤولين الإسرائيليين المتتالية بلا استثناء حول عدم قبول دولة فلسطينية، ورفض قيامها، وتصويت الكنيست على رفض قيام دولة فلسطينية، والتصويت بقراءة أولى على اعتبار "الأونروا" منظمة إرهابية، وهذا كله يجري في ظل وجود إدارة ديموقراطية حالية في البيت الأبيض، حتى لا نربط العقدة فقط عند باب ترامب إذا فاز.
ما يجري أصلا هو صفقة قرن عبر وسائل عسكرية، تؤدي إلى ذات نتائج صفقة القرن لو تم تنفيذها عبر وسائل سياسية، وهذا يعني أن لا فرق فعليا بين إدارتين أميركيتين، سواء كانت ديموقراطية أو جمهورية، إلا بالتصريحات الإعلامية، فيما الواقع يعزز قوة إسرائيل.
صفقة القرن العسكرية الجارية الآن، ستؤدي إلى ذات النتائج التي كان من الممكن أن تحققها إدارة ترامب السابقة، من خلال صفقة قرن سياسية، وربما يمكن هنا القول إن ما نراه عسكرياً الآن هو توطئة مباشرة لصفقة قرن 2 سياسية، حتى لو لم يعد ترامب رئيسا، والقصة هنا لا ترتبط فقط بقسوة تعبيرات ترامب وجلافته، ورغبته بأن يكون الكل مجرد أتباع له في المنطقة، بل بقلب التخطيط الأميركي للمنطقة، أيا كان اسم واجهة البيت الأبيض.
في كل الأحوال لا يمكن إلا أن نتحدث عن وضع استثنائي، سيواجهه الأردن في كل الأحوال، بسبب كل هذه الملفات، ملف الرئاسة الأميركية، التخطيط الإسرائيلي الإستراتيجي للأردن، المهددات التي يمكن رفعها فوق أعناقنا، سياسيا واقتصاديا، ومخاطر التهجير، أو تصنيع الاضطرابات والفوضى، ردا على أي ممانعات أو معاندات، وما يرتبط أيضا بأزمات الإقليم، في كل جوارنا، وأزمات إيران، والحروب المتوقعة، وأي تسويات قد تدفع المنطقة كلفتها.
حل الدولتين لم يكن قائما منذ اليوم الأول لاتفاقية أوسلو، ولا حل الدولة الواحدة بقوميتين أيضا، والخطر على الأردن قائم منذ هذه الأيام، حتى لا نربطه بمرحلة وباسم محدد.