القرار الإداري الخوارزمي : هل هو حقًا إداري ؟!

في عصرنا الحاليّ، يشهد العالم تقدّمًا تكنولوجيًّا سريعًا إلى درجة أنّه في كلّ لحظة يحدث شيءٌ جديدٌ لم نسمع عنه سابقًا، ولا يخفى على أحدٍ أنّ الذكاء الاصطناعيّ أصبح عنصرًا جوهريًّا في ركب التطوّر. ومع زيادة استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعيّ في كافّة مجالات الحياة، رأت الإدارة أنّه من الضروريّ مواكبة هذا التطوّر من خلال توسيع نطاق نشاطها الإداريّ بحيث لا يقتصر فقط على الأساليب التقليديّة، فأصبحت الخوارزميات تلعب دورًا مهمًّا في اتّخاذ القرارات التي كانت تعتبر تقليديًّا من اختصاص أشخاص الإدارة العامة. ومن هنا يأتي السؤال: هل يمكن اعتبار القرار الناتج عن الخوارزميات قرارًا إداريًّا حقيقيًّا؟ وهل يعبر هذا القرار عن إرادة الإدارة أم إرادة الذكاء الاصطناعيّ؟

من منظوري، أرى أنّ القرار الإداريّ الخوارزميّ لا يعبر عن إرادة الإدارة، لأنّ الإدارة تضع فقط المعايير والإطار اللازمين، بينما يقوم الذكاء الاصطناعيّ بتحليل البيانات بدقّة واتّخاذ القرارات دون أيّ تأثير بشريّ، أيّ أنّ الذكاء الاصطناعيّ هو الذي يلعب دور القاضي النهائيّ في اتّخاذ القرارات، ممّا يجعله الكيان الفعليّ الذي يصدر القرارات.

وبهذا الصدد، أعتقد أنّه لا ينبغي أن يسمّى القرار الناتج عن الخوارزميات بالقرار الإداريّ، وذلك لأنّه من الناحية القانونيّة يعتبر القرار قرارًا إداريًّا في حال كان يعبر عن إرادة الإدارة العامة، بينما الذكاء الاصطناعيّ إلى الآن لا يحمل شخصيّة قانونيّة ولا يعتبر جزءًا من الهيكل الإداريّ، أي لا يعتبر شخصًا من أشخاص الإدارة العامة. وبالتالي، فإنّ القرارات التي يتخذها الذكاء الاصطناعيّ لا يمكن اعتبارها قرارات إداريّة، لأنّها لا تعبر عن إرادة شخصيّة قانونيّة معترف بها. إذًا وباختصار، القرارات الناتجة عن الخوارزميات تعبر عن إرادة الذكاء الاصطناعيّ وليس الإدارة، لذا لا ينبغي تسميتها بالقرارات الإداريّة.

ولكن، هل يمكن اعتبار هذا القرار إداريًّا حقًا إذا منحنا الذكاء الاصطناعيّ الشخصيّة القانونيّة؟ بالتأكيد في حال تمّ منح الذكاء الاصطناعيّ الشخصيّة القانونيّة، هذا المشهد يتغير بشكل كليّ، حيث يمكن حينها اعتباره قرارًا إداريًّا صحيحًا تمامًا، لأنّه سيكون ناتجًا عن شخص إداريّ قادر على اتّخاذ القرارات، وإن كان هذا الشخص ليس بشريًّا.

وفي هذا السياق، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ بعض المتخصصين في القانون الإداريّ يرون تسميته بالقرار الإداريّ تسمية صحيحة، مبرّرين ذلك بأنّ الخوارزميّة لم توضع إلا بناءً على إرادة الإدارة وتفكيرها، ويرون أنّه على الرغم من قدرة الذكاء الاصطناعيّ على معالجة البيانات واتّخاذ القرارات بشكل مستقلّ، إلا أنّه يظل يعتمد بشكل أساسيّ على الإطار الذي تحدده له الإدارة البشريّة. إلا أنّ هذا التبرير يفتح الباب أمام تساؤل جديد: هل يكفي أن ننسب القرار إلى الإدارة فقط لأنّه اتخذ في إطارها العام، بينما هو في جوهره تعبير عن إرادة الذكاء الاصطناعيّ؟ وهل يمكن أن نعتبره تعبيرًا عن إرادة الإدارة بشكل كامل؟ أم أنّه يظل مجرد تبرير غير كافٍ؟

---