من لطائف التشابه اللغوي بين الأدب والآداب الفارق بين الهمزة والمدة. رغم كل الأضواء وعروض الليزر والألوان والخداع البصري في مونديال باريس 2024 لم تكن عاصمة فرنسا «مدينة النور» كما رآها بقلبه الأديب الضرير الكبير الراحل طه حسين، بل كانت كما سماها «مدينة الجن والملائكة».
خفت بريق باريس وانكفأت أضواؤها الجمعة في عرض خاطف للأنظار تم تلويثه عن سابق إصرار وترصد بما يدمي الوجدان. لم يكن مجرد تطاول على المؤمنين بالسيد المسيح وبرسالته ولا مجرد الإساءة إلى أحد أبرز الأحداث التاريخية خلودا في التاريخ الإنساني والإيمان المسيحي، ألا وهو «العشاء الأخير». كان ذلك العشاء الأخير في «العِليِّة» في قدسنا الحبيبة، كان ومازال حدثا عظيما خالدا بكل ما فيه من تفاصيل، من غسل الأقدام إلى كسر الخبز ومناولته، إلى يهوذا الذي خان وأسلم السيد المسيح بقبلة في «الجسثمانية» في القدس الحزينة.
لم يتطاول مصمم أو مصممو تلك المشاهد المشينة المدانة ومن سمح ببثها ومن لم يمارس ما لديه من سلطة تنفيذية بوقفها على الهواء مباشرة ممارسة أو أقله بثا، بل أقدموا على فعلة نكراء لا لإساءتها للأديان والإيمان فقط بل بحق الأسر والمجتمعات وواجبها في حماية فلذات الأكباد مما لا يجوز التعرض له دون الثامنة عشرة.
بأي حق وتحت أي شعار، يصر البعض على الإساءة إلى الحضارة الإنسانية بكل هذه المدنية والعمرانية التي بلغتها والتي لم تعرف حتى في أكثر حقبها دموية وقذارة هذه الأفعال النكراء من إباحة جنسية تستهدف الأطفال. أيفترض أن تقبل الشعوب والحكومات والمؤسسات الدينية -سماوية وأرضية- التعايش أو العيش المشترك مع من يروجون لجريمة من أحط الجرائم، جريمة التحرش والاعتداء على الأطفال «بيدوفيليا» والتي بدأت شياطين وأبالسة اليسار المنحل المختل بالترويج لها عبر تخفيف أحكامها الجنائية، لا بل والادعاء بأنها نوع من أنواع الميل والانجذاب والحب! أي انحطاط وأي انحراف وأي فُجر هذا؟
فرنسا الصديقة لها مكانة خاصة في المسيحية، والكاثوليكية على مستوى العالم. فرنسا الصديقة لها فضل في كثير من الإرساليات للدنيا كلها ومنها الوطن العربي، خاصة في ميادين التربية فالتعليم، الصحة، تبني ورعاية الأيتام، رعاية كبار السن، رعاية المحرومين والمنبوذين وذوي الإعاقات بأنواعها. فرنسا الصديقة وقفنا معها عندما واجهت الإرهاب وتحالفنا معها في معركتنا ضد الإرهاب، ضد داعش وغيرها من عصابات الإرهابيين، وفي هذا مصلحة مشتركة وواجب مشترك أيضا.
صديقك الصدوق من صدقك. كل محب لفرنسا التي أحبها طه حسين مدعو للقول همسا وجهرا بصوت رصين راشد وبنبرة ناصحة هادئة، بأن تقدموا باعتذار واعملوا على شطب ما تم بثه من إساءات من أرشيف حفل افتتاح أولمبياد باريس 2024 الذي بحمد الله لم أتابعه لانشغال بأمر أهم، وما عرفت عن إساءاته المشينة المدانة إلا عبر منصة اكس بارك الله في تعهد صاحبها آلون ماسك بمكافحة فايروس سموه «ووك كَلتشَر»! ولا فيه يقظة ولا ثقافة، بل قلة أدب وانعدام ناموس باللهجة الشامية..