قبل أشهر قليلة، شاركت ضمن فريق "الغد" في عملية الإنزالات الجوية الإنسانية التي نفذتها طائرات سلاح الجو الملكي الأردني التي كانت سباقة في كسر قيود الحصار على قطاع غزة. لحظات مؤلمة لا تنسى حينما شاهدت حجم الدمار الذي أصاب القطاع، فالأرض تنبض بجراحها جراء حرب دموية وشرسة لم تتوقف منذ أكتوبر الماضي.
يدفع الغزيون كل يوم ثمنا لا ينتهي؛ بيوت دمرت عن بكرة أبيها، موت يطغى على الحياة في كل مكان، مدن هجرت من ساكنيها، ونزوح لا يتوقف في البحث عن مكان آمن، أما الجوع والعطش فكانا يوجعان من تبقى على قيد الحياة في مكان أصبح يفتقد لأبسط متطلبات الحق في العيش.
الحرب الإسرائيلية ما تزال تخلف وراءها جروحا لا يمكن أن تمحى. فلا شيء يمكن أن يعوض عائلة فقدت أحد أفرادها، أو منزلا بات يخلو من ساكنيه وذكرياته، أو مدينة دمرت على رؤوس ساكنيها، أو بطونا خاوية أنهكها الجوع والعطش.
لكن ما قد يخفف ولو قليلا من كل هذه المعاناة هو وقوف الأردن مجسدا روح التعاضد بين أبناء الشعبين، وإلى جانبه دول عربية جسدت قيم التعاون والتآخي والمساندة الإنسانية، في وقت لا يقوى به العالم المتخاذل على كبح جماح آلة القتل الصهيونية والإبادة الجماعية التي تمارس بحق الشعب الفلسطيني في غزة.
في ظل كل هذه الظروف القاسية التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، كان واجبا إنسانيا الوقوف بجانب الأهالي المنكوبين، كما كان دور الأردن دائما وأبدا، وبمشاركة فاعلة من دولة الإمارات العربية المتحدة ومصر ودول عربية أخرى، لتقديم المساعدات العاجلة والتخفيف من معاناة الأهالي هناك ومداواة الجراح منذ بدء الحرب.
التعاون الأردني الإماراتي كان حاضرا، منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع عبر تنفيذ إنزالات جوية جماعية متتالية. وإنسانياً، جاءت المبادرة الإماراتية سواء بالمساعدات الغذائية أو الطبية والدوائية كذلك عبر إدخال عدد من المخابز الآلية، وذلك ضمن "عملية الفارس الشهم 3"، كذلك تنفيذ عملية "طيور الخير" الإسقاط الجوي الـ50 للمساعدات الإنسانية والإغاثية.
ما يحتاجه الغزيون ليس فقط الأكل والشرب والماء، بل هناك تفاصيل أكثر قسوة صحيا، فمن فقد أحد أطرافه لا يقوى على الحركة، على سبيل المثال، وهو في أمس الحاجة لأدوات تساعده على العودة إلى ما كان عليه قبل الحرب، ولو بأقل الخسائر، ومن هنا جاء تركيب الأطراف الصناعية للمصابين في قطاع غزة، ليستفيد منها أكبر عدد ممكن من الجرحى خصوصاً النساء والأطفال، ومن فقدوا بعضاً من أطرافهم نتيجة الحرب، وإعادة تأهيل المرضى، أملا بعودة ممارسة حياتهم الطبيعية.
المساعدات العربية شملت المواد الغذائية الأساسية والمستلزمات الطبية، ومستشفيات ميدانية في غزة لتقديم الخدمات الطبية والعلاجية للجرحى والمصابين للإسهام في التخفيف من وطأة الأوضاع الإنسانية الحرجة وتعزيز الجهود الإنسانية لمواجهة حرب الإبادة والتجويع.
يختبر الشعب الفلسطيني منذ عقود في ظروف صعبة ومعقدة، هذا الوضع المتأزم يفرض على العالم أجمع مسؤولية إنسانية كبرى، حتى يتمكن الفلسطينيون من نيل حقوقهم المشروعة والوصول إلى مرحلة التعافي وبناء مستقبل أفضل على أرضهم.
تحتاج غزة من المجتمع الدولي كاملا مواقف واضحة وحاسمة تدعم حقوق الفلسطينيين وتعزز مساعيهم في وقف حرب الإبادة التي أخذت في طريقها كل شيء.
فقدت غزة أكثر من 38 ألف شهيد؛ العدد الأكبر منهم أطفال كانت أحلامهم تنمو علها تتحقق يوما؛ وأصبح أكبر هذه الأحلام "الحق بالحياة"!
الجراح التي خلفتها الحرب الإسرائيلية تتطلب سنوات من الجهود المكثفة لبناء مرحلة التعافي النفسي والإنساني والاجتماعي والاقتصادي، الأمر الذي يتطلب تعاوناً دولياً وجهوداً إنسانية لا تتوقف، وعلى رأس كل ذلك قوى عربية موحدة تنتصر لأهلها في فلسطين وتقف سدا منيعا في وجه الاحتلال الصهيوني وممارساته الوحشية.