إنّه عصر الحمقى، والحمقى هم الأشخاص غير المؤهلين للقيادة، الذين يضيّعون مكتسبات الأمة ويهدرون طاقاتها سواء كانوا في السلطة أم خارجها. يظهر الحمقى في الأيام الأخيرة للحضارات المتداعية، كما يخبرنا، تجسيداً فيما يبدو لمقولة: "إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله، فانتظر السّاعة". يشنّ الجنرالات الحمقى حروباً لا نهاية لها وغير قابلة للنصر، ثمّ يتركون الأمة على شفير الإفلاس.
يدعو الاقتصاديون الحمقى إلى تخفيض الضرائب على الأغنياء، وقطع برامج الخدمات الاجتماعية عن الفقراء، ثم يتوقّعون نموّاً اقتصادياً مبنيّاً على أسطورة. يسمّم الصناعيون الحمقى الماء والتراب والهواء، ويُخفّضون الوظائف والأجور. يقامر المصرفيون الحمقى بفقّاعات مالية من صنع أيديهم، ثمّ يُحمّلون المواطنين ديوناً تثقل كواهلهم. الصحافيون والمفكرون الشعبيون الحمقى ينهمكون في تشويه الوعي مصوّرين الطغيان ديموقراطية. الأساتذة والأكاديميون و "الخبراء" و "المتخصّصون" الحمقى يشغلون أنفسهم برطانة مبهمة.
ونظريات غامضة تدعم أيّ موقف تتخذه السلطة. الممثلون الفكاهيون والمنتجون الحمقى يعرضون مشاهد فظيعة وباهرة عن الجنس والدم والخيال الجامح كفيلة بإشغال المواطن عن قضاياه الحقيقية. الحمقى لا يشبعون، يضيف هيجز، ويحبّون كلمة "أكثر". إنّهم يكنزون الذهب والفضة حتى يعجز العمّال عن كسب لقمة العيش، وتنهار البُنى التحتية. إنّهم يعيشون في مساكن فارهة حيث يلتهمون كعك الشوكولا ويأمرون بإطلاق الضربات الصاروخية. إنّهم ينظرون إلى الدولة بوصفها سبيلاً للزهو والمشي في الأرض مرحاً.
الحماقة في السياسة، كما هي في الحياة: ان تعمل ذات الشيء الفاشل في كل مرة وتنتظر نتائج مختلفة، ويقال أن ناصح الأحمق، من هذا النوع، أحمق منه، وأن الذي يصدّق وعود ذاك وهذا، أكثر حماقة من الأثنين معا، وما زلنا في السياسة،حيث وصف الصحافي الأمريكي الحائز على جائزة «بوليتزر» للصحافة كرٍس هيجز العصر الذي تشهده امريكا بـ»عصر الحمقى» في إشارة الى سلسلة التخبطات التي شهدتها الإدارات الامريكية الأخيرة، وأصبح قوله «انه عصر الحمقى الذي نعيشه الآن» جملة تتردد في المحافل السياسية والكتابات ورسوم الكاريكاتير في الصحافة الأمريكية، وعندما سؤال «هيجز» وهو أيظا بروفيسور وناشط معارض عما يعنيه بالحمقى أجاب بقوله: «الحمقى هم الأشخاص غير المؤهلين للقيادة، الذين يضيّعون مكتسبات الأمة ويهدرون طاقاتها سواء كانوا في السلطة أم خارجها» وأضاف «يظهر الحمقى في الأيام الأخيرة للحضارات المتداعية» وختم قائلا: إذا وُسد الأمر الى غير أهله، فانتظر الساعة». وكان هيجز قد القى خطابا في أذار من العام 2017 في مدينة فانكوفر الكندية أوضح فيه خطورة هيمنة الحمقى على مقاليد الأمور قائلا: «عندما تمسك فئة ضالة بالسلطة فإنها تخلق إقتصاد مافيويا ودولة مافيوية» ويقول الكاتب الفلسطيني احمد برقاوي «تشترك كل حالات الحماقات السياسية في أمر واحد، ألا وهو الخوف من المستقبل، والجهل بسيرورة التاريخ المجتمعي والبشري».
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي