مهدي مبارك عبدالله - فـي الوقت بدل الضائع وضمن وصلة عراضة مكشوفة ومسرحية سمجة وفي اجواء حفاوة مبالغ فيها امام العالم اجمع وقف عدد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ ( الكونغرس ) الأميركي أكثر من 30 مرة للتصفيق الحميمي الحار لـ بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الاسرائيلي اثناء ألقاء خطابه الاسبوع الماضي امامهم فيما قاطعه 128عضواً وكما كان متوقع استهل حديثه بالكذب الواضح والاستعراض الفاضح بمهاجمة محور إيران الإرهابي وتحميلها مسؤولية كل ما يجري في منطقة الشرق الأوسط فحينما نقاتل حماس وحزب الله والحوثيين فنحن في النهاية نقاتل إيران وقد ادعى بأن النصر يلوح في الأفق وان هزيمة حماس ستكون ضربة قوية لطهران وناشد الولايات المتحدة إمداد إسرائيل بالمزيد من الأسلحة لمواصلة الحرب على غزة
حديث نتنياهو الملغوم اتسم بالدعائية والتضليل بشكل فاقع واختلاق الانتصارات الوهمية لخدمة مشروعه السياسي وغاياته الخاصة ولذلك أحضر معه الى الكونغرس أسيرة إسرائيلية محررة كانت في قطاع غزة وبعض أفراد من عائلات أسرى آخرين إضافة إلى 3 جنود إثيوبي وبدوي وأبيض واعتبر أنهم وزملاءهم يستحقون التقدير لا الاتهام بسبب طريقة إدارتهم للحرب في غزة كما كرر نتنياهو زعمه أن العالم اليوم يقف عند مفترق طرق تاريخي في فهم الصراع الدائرة بين الحضارة والهمجية وبين من يدنس الحياة ومن يقدس الموت بينما لم يأتِ على ذكر صفقة تبادل الأسرى الا بعبارة موارِبة أشار فيها إلى الجهود القائمة لاستعادتهم متجاهلاً العواقب المحتملة لكشف كذبه
الحضارة التي يدعيها نتنياهو هي انحطاط اخلاقي وقيمي وتوحش اجرامي سادي تم فيه قتل أكثر من 129 ألف شهيد وجريح فلسطينيين معظمهم أطفال ونساء وما يزيد على 10 آلاف مفقود وسط دمار هائل ومجاعة أودت بحياة 17 ألف طفل وبتر أيدي وأرجل 1200 طفل فلسطيني وترحيل مليوني فلسطيني بعد هدم بيوتهم وتجريف احيائهم
خلال استرساله الاستعراضي الممل اسهب نتنياهو بكل وقاحة وبة ادب باتهام المتظاهرين الذين تجمعوا أمام الكونغرس خلال تقديمه لجوقة ردحه الرخيصة للتنديد بالحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة بأنهم اختاروا أن يقفوا مع الشر ومع حماس ويجب أن يشعروا بالعار وقال انهم مجرد مجموعات من الحمقى توجههم وتمولهم ايران كما اتهمً طلاب الجامعات الأميركية الذين شاركوا في الاعتصامات بالجهل والرسوب حتى إنه هاجم الكادر التعليمي للجامعات وقد تعرض بالإساءة لمحكمة الجنايات الدولية وزعم أنها بأكاذيبها تحاول تقييد يد إسرائيل ومنعنها من الدفاع عن نفسها وأنه إذا ما قُيّدت يد إسرائيل يد أميركا ستكون التالية
اما فيما يتعلق بالحرب على غزة فقد كرر نتنياهو القول أمام المشرعين في الكونغرس إن تسريع المساعدات الأمريكية لإسرائيل سيعجل في انهاء الحرب في غزة وتحقيق النصر ومنع اشتعال حرب واسعة في الشرق الأوسط وأنه إذا استسلمت حماس وأطلقت سراح الأسرى سوف ننهي الحرب غداً وإذا لم يستسلموا فسنقاتل لتدمير القدرات العسكرية لحماس وحكومتها ونعيد أسرانا ولن نتنازل عن النصر المطلق
وبخصوص اليوم التالي للحرب قال نتنياهو إنه في المستقبل القريب سيتعيّن علينا مواصلة السيطرة الأمنية على غزة لمنع عودة الإرهاب وان إسرائيل لا تسعى للاستيطان في القطاع ولا لتهجير سكانه لأنه ستظهر غزة جديدة في اليوم التالي لهزيمة حماس إدارة مدنية في غزة يقودها فلسطينيون لا يريدون تدمير إسرائيل وسنعمل مع شركائنا العرب لنحوّل منطقة فقيرة ومضطربة إلى واحة للازدهار والأمن لكن كافة تصوراته حول مستقبل قطاع غزة هي محض أوهام وخيالات يحاول تسويقها وقد تناسى عن قصد ان الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية هو فقط من يقرر من يحكمه وأن الحل الوحيد لتحقيق الأمن والاستقرار هو قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية
وبالنسبة الجبهة الشمالية كرر حديثه عن أننا ملتزمون بإعادة سكان الشمال إلى بيوتهم ونفضّل أن يتمّ ذلك دبلوماسياً لكننا مستعدون لفعل كل شيء في سبيل إعادتهم ثم توجه نتنياهو بالشكر إلى الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن لمساعدته في صدّ الهجوم الإيراني ودعمه القوي لإسرائيل بعد هجوم 7 أكتوبر وكذلك لمرور نصف قرن على صداقته مع إثرائي لولم ينسى انه عرف على نفسه بانه رئيس صهيوني فخور وكذلك اثنى على الرئيس السابق دونالد ترامب على مساهمته في اقرار اتفاقيات أبراهام التطبيعية
كما اشار نتنياهو الى أن إسرائيل هي الدولة الديمقراطية الوحيدة المؤيدة لأميركا في الشرق الأوسط وأنها ستظل الحليف الذي لا يمكن للولايات المتحدة الاستغناء عنه وعبّر عن تطلعه إلى تحالف جديد في الشرق الأوسط يكون امتداداً لاتفاقات أبراهام لمواجهة تهديد إيران ودعى كل الدول التي ستصنع السلام مع إسرائيل للانضمام اليها
وفي ردود الفعل قال السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام أن خطاب نتنياهو تاريخي ويضع رؤية للتكامل الإقليمي في حين اعتبرت الرئيسة السابقة لمجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي ان الخطاب كان أسوأ عرض قدّمته شخصية أجنبية حظيت بشرف مخاطبة الكونغرس وأن عائلات الرهائن تطالب بصفقة لوقف إطلاق النار وإعادة أبنائها وعلى نتنياهو تخصيص وقته لتحقيق ذلك أما كبير الديمقراطيين في لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي غريغوري ميكس بين أن نتنياهو يرفض تنفيذ اقتراح بايدن الخاص بالصفقة وإنهاء الحرب والمعاناة الانسانية كما قال العضو المستقل في مجلس الشيوخ الأميركي بيرني ساندرز إن نتنياهو ليس مجرم حرب فقط بل هو كاذب أيضا حيث يقول إن إسرائيل توصل المساعدات للفلسطينيين والعالم كله يكذب ذلك
اما في إسرائيل فقد علّق مقر أهالي الأسرى على خطاب نتنياهو بالقول خلال 45 دقيقة من الخطاب لم يرد ذكر 120 أسيراً لن يعودوا إلى منازلهم فيما وصف زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد خطاب نتنياهو بالمشين وأنه من العار أن يتحدث ساعة كاملة من دون أن يقول إنه ستكون هناك صفقة للرهائن وفي المقابل، قال وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش إن نتنياهو مثّلنا بفخر والترحيب به يعكس الشراكة العميقة مع الولايات المتحدة بينما احتفى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بخطاب رئيس الحكومة وكتب عبر منصة إكس نتنياهو يحب إسرائيل أما وزيرة المواصلات ميري ريغيف فقالت لقد حظينا بزعيم تحسدنا عليه الدول وعلينا أن ندعمه ونقف خلفه
حينما كان يتحدث نتنياهو عرّاب الكذب عن إنجازاته في حرب غزة بأضعاف وسحق حركة حماس وقتل نصف قيادتها العسكرية ورغم انهيار القانون لا تزال حكومتها وشرطتها وموظفيها المصدر الرئيسي للسلطة المدنية في قطاع غزة حيث عادت سريعاً إلى المناطق التي انسحبت منها القوات الإسرائيلية بعد أكثر من تسعة أشهر على الحرب وقد اصبحت القناعة اكبر بان حماس هي جزء من النسيج الوطني وإنه لا يمكن هزيمتها وهي تدير العمليات من شبكة الأنفاق الواسعة
حفلة نتنياهو الاستعراضية والتضليلية جرت على مسرح بيت الشعب الامريكي وفي مجتمع يدعي أنه ليبرالي ديمقراطي حر وأمام نخبه وممثليه ظهر المجرم الفاسق نتنياهو بمظهر البريء الطاهر وهو يتلاعب بآرائهم ويقلب الأحداث ويزور الحقائق ويبدل الوقائع ثم ينال التصفيق الحار مراراً وتكراراً بعدما ع إلى إظهر نفسه بصورة الضحية تارة والبطل تارة اخرى في آن واحد كما في القصص وافلام الخيال ليظهر بوضوح ضعف وهشاشة هذا الكيان اللقيط الذي يستمد وجوده من الحروب والدعم الامريكي ويكشف مسعاه الخبيث للحصول على تفويض أميركي بتوسيع رقعة الحرب لتشمل المنطقة كلها ورغم كل ذلك لم يفلح بتغطية جرائم حرب الإبادة و فشله في مواجهة المقاومة
النتن ياهو في خطابه الاخير المليء بالأكاذيب والافتراءات اتقن احتراف التدليس والمراوغة وحاول اللعب على وتر دغدغة العواطف وقلب الحقائق والترويج لروايات كأذبة حول السابع من أكتوبر حين ادعى باستخفاف واستهزاء كامل بعقول مستمعيه والعالم أن جيشه لم يقتل مدنيا واحدا في الهجوم على رفح وظل يمارس الاعيبه السياسية بعدم رغبته في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار لكن
نتنياهو في كل ما قاله أمام الكونغرس الأميركي كان غير مقنع كان وحديثه مليء بالأكاذيب والافتراءات سواء تلك التي تتعلق بأحداث معركة طوفان الأقصى واعادة ترديده أكاذيب حول قطع الرؤوس واعتصاب النساء وقتل الأبرياء والتي ثبت كذبها عبر وسائل إعلام إسرائيلية قبل غيرها أو تلك المتعلقة بالسرد التاريخي الذي يجد فيه وسيلة ناجعة لبقاءه في الحكم ما يؤكد جليا أن وجود هذا المجرم وكيانه الارهابي يشكلان خطر كبير على البشرية جمعاء
دعوة المشرعين الامريكيين لقاتل الاطفال ومجرم الحرب نتنياهو الذي لا زال يرتكب جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والعقوبات الجماعية ويمارس حرب تجويع وإبادة ضد قطاع غزة كانت غير موفقة وان اعتلاء منصة الكونغرس اعطته فرصة ذهبية لتلميع وجهه أمام العالم كما انها شكلت وصمة عار في تاريخ امريكا الحديث الملطخ بدماء الفلسطينيين اطفال ورجال وشيوخ ونساء حيث سجل نتنياهو رقم قياسي من الأكاذيب والمغالطات والفبركات تفوق فيه على وزير الإعلام النازي غوبلز كما سَبَقَ مُسيلمة بامتهانه الأكاذيب المتلاحقة بلا خجل ودون عناء ما يعكس عمق أزمته العسكرية والأمنية والدولية للتغطية على جملة الهزائم التي تكبدها جيشه في غزة
لا شكَّ في أن نتنياهو كان بحاجة ماسة إلى ترك انطباع يبهر الجمهور الإسرائيلي والأميركي جلسة عامة للكونغرس لرفع رصيده الانتخابي وتحويله من مدان فاشل إلى بطل قومي تاريخي استطاع بسوء نية أن يوظف كل تناقضات الحرب توسييس العلاقة بين امريكا وإسرائيل لتحقيق مكاسب شخصية وحزبية
الخلاصة لمشهدية الكونغرس الأميركي كانت اشبه باستعراض الراقصة امام الجمهور لتي كلما اظهرت مفاتنها وكشفت عن عورتها ازداد حماس المتفرجين وتحمرت ايدهم من التصفيق الحار وهذا كله كان اشبه بكذب نتنياهو وغروره وغطرسته غير المفاجِئة لمن يعرفه جيداً فهو دجال وانتهازي ومراوغ بامتياز لكن الذي أكده التصفيق الحار والحميمية التي حظي بها في خطابه الاستعراضي الأرعن أن غرور نتنياهو وغطرسته، ومِن خَلفِه جيشه وشعبه لم يكن ليدوم ويستفحل لولا الدعم الأميركي المالي والعسكري والمنوي الأعمى وأننا نرى انه مع تعاظم هذا التأثير والسيطرة تشكل مقادير المقدمة الحتمية لبداية النهاية لعصر نتنياهو وكيانه الاستعماري الغاصب
كاتب وباحث متخصص في العلوم السياسية
mahdimubarak@gmail.com