خاص - عيسى محارب العجارمة - اذا كانت الحرب النظامية كانت وسيلتها الرئيسية المعركة النظامية واحتلال المدن ، فكل شيء يرتبط بالموقف وبميزان القوى الراهن ، وكلنا يذكر خلال حرب الجزائر ان القاهرة وموسكو كانتا تدعمان حركة جبهة التحرير الوطنية الجزائرية . وهنا فأن عزل المناطق الثائرة في غزة عن الخارج هو الشغل الشاغل لاسرائيل خلال الحرب الحالية ، فهي تنهج سياسة تبادلية تتضمن الدعم والخنق معا . ولست مضطرا للشرح عند النقطة الاخيرة .
ان الحرب ذات الاسلوب الثوري قديمة قدم العالم ، وهي ما انفكت منذ القدم تشكل الوسيلة الاخيرة للشعوب ، او الاحزاب المؤمنة بأن عليها ان تدافع عن مصالحها المادية والمعنوية حتى ( النفس الاخير ) لآخر رجل ولآخر حصان تحركها مثل علياء غير ماركسية او دينية بالقطع .
وهي لا تحمل بذاتها بذرة النصر المضمون الذي يتطور مع الزمن ، ويظهر التاريخ ان القوى الثورية المحرومة من المعونة الخارجية وغير المدعومة بقوات نظامية في اللحظة الحرجة تصبح معرضة في بعض الاحيان للفشل بمجرد الاستنزاف المعنوي ، وهذا ما يؤدي الى شبه ثبات في مدة هذه الحروب : فهي تحتاج من سبعة الى ثمانية اعوام لتصل الى هدفها مهما كان العصر الذي اندلعت فيه ، فهي المدة التي توافق مدة الاستنزاف المعنوي للشعب الذي تتنازع احزابه وقواه السياسية على التعاون والدعم ، وعندما تتجاوز مدة حرب من الحروب الثورية هذه المدة ، فأن ذلك يعني انه كان يتخللها هدنات هامة .
وان مسرح العمليات فيها قد انتقل بعد ان زج في الصراع كتلا شعبية ما زالت سليمة ، او ان حدثا خارجيا قد بدل وجه الاحداث في اللحظة التى كادت فيها قوى المقاومة ان تنهار ، وعندما تكون هذه الحرب حربا قصيرة ، فذلك يعني ان الخصم استطاع اقناع الشعب او عزله عن عصاباته ، ويشكل الفلاحون في كل العصور امثلة تحتذى في هذا المضمار .
فالهزائم لم تزعزع ايمانها ابدا ، فعلى كل مواطن عربي ان يمتلك هذا الاقتناع العميق الذي يؤمن به قادة كتل المليشيا ابان الثورة الفرنسية بالجمهورية الاولى او البلشفية التى قضت على حكم القياصرة الفاسدين ، رغم التقدم التقني او التكتيكي للعدو او ضعف الحلفاء ، فماذا كان بوسع 800 الف جندي فرنسي ان يفعلوه امام او ضد ملايين الفرنسيين الذين اقسموا على النصر او الموت ، وقد اشار لذاك الامر لويس بلان حينما اشار الى اجدادنا القدماء فكتب :- ( كان آباؤنا يؤمنون بالوطن ، فانتصروا بقوة ايمانهم بأن فرنسا دولة لا تقهر ) .
فدافع العمل الثوري هو اليأس أو التعصب ، ان صورة المقاومين داخل غزة ليست صورة قيادات الخارج الذين يدعون مع ذلك تمثيل العنصر الموجه الاعلى للحرب ، والسبب في ذلك ان المهاجرين يميلون الى تفضيل العوامل السياسية التي يعملون على اساسها مباشرة ، على حين يستبعد زعماء العصابات - ونحن هنا نتحدث عن حرب العصابات التي تخوضها المقاومة الجسورة في غزة - الاوامر الالزامية العسكرية التي قد تأتيهم من حماس الخارج .
وايضا لا تكتسب وحدة القيادة الا من الوحدة العقائدية ، ومن نشاط المفوضين المتنقلين سواء مخابرات مصر او قطر ، ومن قسوة الانضباط داخل غزة او رفح تحديدا وانا اعرف انهم ليسوا بحاجة الى انتشار عمليات التطهير بين القادة في صفوف الفدائيين كما انتشرت في صفوف جبهة التحرير الوطنية الجزائرية دون ان يسبب ذلك تحسنا في اوضاع الثورة حينها .
وينبغي قبل كل شيء ان نفهم ان هدف المعركة ومضمونها في غزة هو المعنويات الشعبية ، وهي اساس حرب تحرير غزة وللحديث بقية ان كان في العمر بقية .