في مقاله المنشور أمس، يقول الصديق حسين الرواشدة إنّ مَن أساء للتجربة الحزبية سيدفع ثمن ذلك، وإن الأولويةَ الآن إنجاحُ العملية الانتخابية، وعدم التشويش عليها. الزميل الرواشدة يشير إلى أن يوم الحساب سيكون ما بعد الانتخابات النيابية.
أتفقُ أن هناك من تفنن في الإساءة إلى العملية الحزبية عن جهلٍ بَيّن، وساهمَ إلى حد كبير في إحداثِ شرخٍ كبير في مشروع الإصلاح السياسي، وهذا ليس وليد اليوم وإنما منذ اللحظة الأولى لولادة الأحزاب في آخر عامين.
كما أتفق أنّ أَعْيُنَ الدولة ترصد ما يجري الآن، وستخضعه للتقييم لاحقا. لكن لا أثق بأن هناك إجراءات حاسمة سيتم اتخاذها بعد العملية الانتخابية، فسنكون حينها مشغولين بالتغني بنجاح التجربة، ولن نتذكر الذين حاولوا تلويثها وإفسادها.
إذا أردنا أن نكون مع أنفسنا وقناعاتنا، وحرصنا الوطني على إنجاح التجربة، فيجب أن نقرّ بأن عملية المعالجة يجب أن تكون قد بدأت منذ أكثر من عام، لا أن يتم تأخيرها إلى اليوم، أو إلى ما بعد انتهاء الانتخابات، فالعبث بمحاولات تطوير الحياة السياسية والحزبية ينبغي أن يكون له ثمن مرتفع، خصوصا أن جميع الطبقات السياسية تعوّل كثيرا على هذه التجربة.
ربما من الأسلم، إذا ما أردنا أن نحافظ على زخم مشروع التحديث السياسي وترسيخه في عقول الناس الذين لا يؤمنون به، ويرون أن ما يجري حجة عليه بعد أن فقد بريقه، هو أن نبث لهم رسالة واضحة بأن لا تأجيل في حساب من أساء لهذه التجربة، وأن يكون ذلك قبل موعد الانتخابات النيابية، وأن لا تستحوذ علينا فكرة دع المركب يمضي بأقل الخسائر. إن "أقل الخسائر" هذه سوف ندفع ثمنها غاليا بتوسيع قاعدة عدم المؤمنين بالتجربة، ما يقربها أكثر إلى حافة الفشل، بدلا من أن نمنحها دفعات إلى الأمام بتوسيع قاعدة المؤمنين بها، والمنخرطين فيها بكل جهد وجدية.
إخضاع البعض للمساءلة في الوقت الراهن هو الأمل الوحيد لإقناع الناس أن هناك إصرارا من الدولة على حماية مشروع الإصلاح السياسي الذي أنفقنا عليه عامين من عمر الدولة، وبالتالي سيساهم في أن يؤمن الأردنيون بأن الأمر جاد ويستحق الاحترام والمشاركة والدعم، وبالتالي التوجه لصناديق الاقتراع لاختيار الأنسب.
الوباء الذي يستشري في اختيار قوائم الأحزاب لخوض انتخابات العاشر من أيلول المقبل، يصعب مداواته لاحقا، فما يجري اليوم سيسهم في فرز مجلس نيابي ضعيف بصبغة طبقية، فمن سيصل إليه من الأحزاب سيكون ممن دفع أكثر، وليس الأفضل، وهذا لا يمكن إخفاؤه عن الناس، فليس بالإمكان تجميل القبح، ولا تزيين الفساد الذي يتعاظم يوما بعد يوم، ما سيشكل دافعا لعزوف الأردنيين عن مساندة تلك الأحزاب ودعمها، وهو ما لن يخدم العملية الانتخابية وصناديق الاقتراع.
لا بد من إجراء سريع يبث الطمأنينة في قلوب الناخبين، كما أنه لا يحق لأحد من المسؤولين أن يجامل أيا من كان، وأن يغامر في انتخابات نيابية نسعى لأن تفرز برلمانا حزبيا نؤسس عليه مسيرتنا الديمقراطية المقبلة، لذلك، ينبغي أن نعلن للملأ أين أخطأنا، وكيف سنصوب هذا الخطأ سريعا.
هذا هو الأمر ببساطة، والأمر اليوم في يد الدولة، فإما أن تدع المسألة بيد القدر وتزيد من فجوة الثقة بعملية الإصلاح السياسي برمتها، أو أن تكون صارمة في هذا السياق، وأن تقرر أن "آخر العلاج البتر"، وليس الكيّ فحسب. لذلك، لا تؤخروا حسابهم وتمنحوهم مزيدا من الوقت ليراكموا الدمار الذي يصعب إعماره وإعادته إلى ما كان قبل أن تعيث به الأيادي إفسادا.