زاد الاردن الاخباري -
كتب : رائد سليمان الخشمان - تبلغ مساحة لواء الشوبك حوالي 680 كم مربع، أي أنها أكبر مساحةً من دول مثل مالطا وجزر الماديف وجزر مارشال وليختنشاين وسان مارينو، كما وتتساوى مساحتها مع مساحة دولة البحرين، قبل أن يتم إقتطاع أجزاء منها خلال العشرين سنة الماضية لأسباب مختلفة منها أعتداءات على واجهات الشوبك العشائرية من قبل عشائر المناطق الأخرى لتتقلّص مساحتها لحوالي 383 كم مربع في الوقت الراهن يسكنها حالياً حوالي 30 ألف منهم 25 الف من عشائر الشوبك، وتقريباً 5 آلاف من قبائل البدو، علماً بأن عدد السكان لم يتغيّر خلال الاربعين سنة الماضية بسبب هجرة أبناءها المستمرة للبحث عن فرص عمل أو بحكم عملهم في مؤسسات الدولة المختلفة في العاصمة أو المدن الرئيسية الأخرى، بالاضافة الى وجود العديد من أبناء الشوبك المغتربين في دول العالم المختلفة بسبب تعليمهم العالي وطموحهم اللامحدود، حيث يعيش أكثر من 60% من أبناءها خارج اللواء.
يتوزّع سكان الشوبك على حوالي 17 قرية وتجمعاً سكانيّاً منتشرة على مساحات مختلفة، منها حوالي 6 تجمعات قريبة من الشارع الرئيسي السياحي المؤدي الى مدينة البتراء الوردية. وكون الشوبك معروفة تاريخياً بإهتمام أهلها بالزراعة كحرفة رئيسية - وما زال بشكل أقل كثيراً بسبب قلة المياه وأرتفاع أثمانها، فهي تختلف عن باقي مدن المملكة من الناحية الطبوغرافية، فمركزها الرئيسي هو نجل حيث الدوائر الحكومية الرئيسية ومتصرفيّة الشوبك، وباقي تجمعاتها تبعد عن الشارع العام، وهو ما يخفي عن المارّ بالشوبك العديد من معالمها وتجمعاتها السكانية.
كانت الشوبك ناحية كوحدة إدارية في العهد العثماني، وبقيت كذلك حتى تأسيس المملكة حيث أصبحت قضاء وتم ترفيعها عام 1996 الى لواء ضمن أقاليم المملكة. وقدمت الشوبك الكثيرين من أبناءها كشهداء على أرض الوطن وفلسطين الحبيبة، وكذلك قدمت قادة أفذاذ في الجيش العربي والاجهزة الامنية، وقيادات على مستوى الأردن في مختلف القطاعات الحكومية، حيث ساهم أبناءها كغيرهم من أبناء العشائر والمدن الأردنية ببناء الوطن. ولو أردت سرد مساهمات أبناء الشوبك في مسيرة البناء والعزّ والفخار لهذا الوطن، لاحتجت للعديد من الصفحات والكثير من البحث والتوثيق.
جذور الشوبك ضاربة في التاريخ، حيث كانت مملكة قبل الميلاد تمتد الى مساحات شاسعة، مجاورة لمملكة مؤاب، والشوبك كانت تشتهر بكثرة ينابيها الطبيعية، حيث يذكر المؤرخّون أن بساتينها كانت تضاهي غوطة دمشق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وكانت بساتين العنب والتين والرمان منتشرة في كافة الاودية، الا أن هذه الينابيع بدأت بالاختفاء منذ أواخر القرن الماضي بسبب حفر الآبار الارتوازية من قبل سلطة المياه لتوزيع المياه الى بعض مدن المملكة، وزاد الطين بلّة منح رُخص عديدة لحفر آبار خاصة للعديد من رجال الاعمال من خارج الشوبك، حيث أستثمروا بزراعة التفاح وأثروا من استثماراتهم بتصدير منتجاتهم الى أوروبا ودول العالم المختلفة، ويعتبر تفاح الشوبك من أجود أصناف التفاح بالعالم، وبالمقابل ساهمت هذه الاستثمارات والآبار الجديدة بجفاف العشرات من الينابيع الطبيعية وجفاف بساتين أهل الشوبك المحيطة بها، مما زاد من فقرهم ودفعهم الى الهجرة خارج اللواء. ولغاية كتابة هذا المقال لم يقدّم هؤلاء المستثمرون من خارج اللواء شيئاً لبلدية الشوبك أو للمجتمع الشوبكي، بل وبخلوا حتى بالاستشارات الزراعية أو ببيعهم منتجات التفاح أو الأشتال ذات الجودة العالية التي يختاروها ويجلبوها من مختلف أنحاء العالم! ولم يقم هؤلاء المستثمرين ببناء أي منتزه أو مكتبة عامة أو مشروع يستفيد منه أبناء الشوبك بدلاً عما خسروه من بساتين و مصالح.
تمتاز الشوبك بمناخها الاستثنائي، حيث مناخها معتدل صيفاً مما يجعلها أجمل مصايف الاردن ومنطقة الشرق الاوسط. ويبلغ أرتفاع جبال الشوبك حوالي 1600 متر فوق سطح البحر، مما يجعلها أعلى منطقة مأهولة في الاردن، ويعاني سكانها من شدة البرودة في الشتاء حيث تهبط درجات الحرارة الى أكثر من 20 درجة تحت الصفر، ولا يتلقى اهل الشوبك أي دعم حكومي سواء بفواتير الوقود أو الطاقة أو المياه لمساعدتهم على العيش في هذه الظروف الجوية والبيئية الصعبة والاستثنائية، فتكلفة التدفئة هي أضعاف تكاليفها في المناطق الأخرى، وعلى الدوام تتجاهل وسائل الاعلام المختلفة ذكر الشوبك حتى في النشرات الجوية.
يُعرف الشوبكي بالأدب الجمّ والثقافة العالية، وهو من أكثر أبناء الوطن التزاماً بتسديد فواتير الخدمات على الرغم من كلفتها العالية وضيق الحال، وأهل الشوبك هم الأكثر التزاماً بالقوانين والسياسات، وهو ما جعل الحكومات المتعاقبة للأسف تتجاهلهم وتتجاهل مطالبهم في منح منطقتهم بعض المشاريع التنموية الاستثمارية للحدّ من هجرة أبناءهم، رغم الوعود المتكررة على مرّ السنين عند كل زيارة للمسؤولين.
مؤخّراً أصدرت الحكومة قراراً بدمج مديرية التربية والتعليم الموجودة باللواء مع مديرية تربية محافظة معان، ومعان تبعد 60 كيلو متر، وزاد الطين بلّة إلغاء مديرية أراضي الشوبك ودمجها مع أراضي البتراء – قبل أن يتم تجميد القرار. وأنا أناشد الحكومة بإلغاء هذا القرارات وليس تجميدها فقط، لأن هذا سيضيف أعباء إضافية على أهلها وموظفيها الذين يأملون بزيادة الدعم الحكومي لا زيادة معاناتهم وكلفة العيش عليهم لدفعهم للهجرة. وأتأمّل ومعي جميع أهل الشوبك من الحكومة إعادة النظر في سياساتها تجاه هذه البقعة العزيزة من الوطن وتعزيز خدماتها لا تقليصها، إضافة الى إعادة تصنيف هذا اللواء العزيز كإقليم زراعي بعد أن أوعز به قائد البلاد في زيارته للشوبك عام 2008م، ثم عادت الحكومة لإلغاءه دون مبررات مقنعة، وبما أن الطبيعة خلّابة والمناخ الطبيعي جميل، فهناك الكثير من الافكار الخلّاقة للإستثمار فيها بسبب تفرّدها، واحتواءها على العديد من الكنوز الطبيعية، مما سيمكّن سكانها من زيادة استثمارهم في الزراعة، وهذا ممكن من خلال أنشاء مشاريع للحصاد المائي وتخفيض كُلف أثمان المياه والوقود عليهم، وبناء المصايف والمشاريع الاستثمارية للحد من الهجرة الى خارج اللواء، وزيادة الدخل القومي.
وأخيراً أهل الشوبك لا يميلون للغوغاء والبلطجة لتحصيل حقوقهم، بسبب تعليمهم وثقافتهم العالية، حيث أن الشوبك فيها أعلى نسبة تعليم في المملكة - بالنسبة لعدد السكان - على مدى عقود طويلة، وهذا مما أفقدهم الكثير من الحقوق، والاستفادة من الكثير من المشاريع كمشاريع طاقة الرياح التي أقيمت مؤخراً في المنطقة، وذهبت معظم فرصها الوظيفية الى المناطق الأخرى المحيطة باللواء. آملين أن يكون هناك أهتمام أكثر بهذا اللواء المعطاء بأهله، وتكثيف زيارات المسؤولين له للاطلاع على واقع الحال، فآخر زيارة حكومية على مستوى رئيس الوزراء والوزراء كانت في عهد حكومة النسور عام 2015م.