رغم كل الأحاديث عن عدم الرغبة بتوسيع رقعة الحرب والدخول في حرب اقليمية شاملة، إلاّ أن الواقع على الأرض ومنذ عدة أشهر- ان لم نقل منذ 8 اكتوبر 2023 - يؤكد أن الحرب تتمدّد نحو الاقليم وصولا الى»نقطة اللاعودة»، وها نحن اليوم في الشهر العاشر منذ بدء العدوان على غزة، والحرب الاقليمية على وشك فتح جبهات متعددة من لبنان وسوريا والعراق واليمن وايران بعد التصعيد الكبير باغتيال اسرائيل للقائدين «هنيّة» و«شكر» في ايران ولبنان.
هذه الحرب منذ 7 اكتوبر، ومنذ اعلان نتنياهو بأنها «حرب وجودية»، أدرك تماما أن «وصمة العار» التي لحقت بجيشه واستخباراته التي «لا تقهر»، تستوجب «انتهازية» لتحقيق أطماع اسرائيل التوسعية، خصوصا مع الاستنفار الأمريكي غير المسبوق نجدة وحماية لحارس مصالحها في المنطقة الذي انهار وبات وجوبا على الولايات المتحدة أن تهبّ لنجدته، حماية لمصالحها.
اليوم علينا أن نضع النقاط على الحروف حتى تكون الصورة أكثر وضوحا لمن يتابع «تصاعدية المشهد» بعد مرور 10 أشهر:
1 - أولا يجب أن ندرك بأنّ اسرائيل ومنذ اليوم الأول لا تتصرّف منفردة، وكل خطوة تقدم عليها هي بموافقة -بل وبتخطيط وتنسيق مع أمريكا-، بما في ذلك حتما اغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنيّة واغتيال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر -وان ادّعت واشنطن غير ذلك -.
2 - كل ما نسمعه عبر وسائل الاعلام من تصريحات للرئيس الامريكي ونائبته ووزير خارجيته، وغيرهم من تصريحات حول وقف الحرب والحرص على المدنيين وغير ذلك.. هي للاستهلاك الاعلامي ليس للعسكريين ولا الاستخباراتيين شأن بها.
3 - ما يقال بأنّ اسرائيل «تجرّ» الولايات المتحدة لحرب اقليمية ليس دقيقا من حيث «الجرجرة»، بل هو انطلاق من أن طبيعة علاقة «الدلال» بين اسرائيل والولايات المتحدة تشجّع اسرائيل على (المقامرة) وفعل ما تريد وأكثر مما يتفق عليه، لأنها على يقين بأن أي رئيس امريكي (مضطّر في زمن الانتخابات وغير الانتخابات) لتقديم المساعدات لإسرائيل (وحفاظا على المصالح الامريكية في هذه المنطقة الحساسة سياسيا ونفطيا).
4 - بعيدا عن الدبلوماسية.. علينا أن ندرك اليوم بأنّ هناك جهات متعددة مستفيدة - بصورة أو بأخرى - من توسّع الحرب اقليميا.. وعلى النحو التالي:
أ)- «اسرائيل نتنياهو».. فهو منذ اليوم الأول يسعى لذلك، اطالة لبقائه في السلطة، ولأنه يجد في الدعم الامريكي والغربي المطلقين فرصة تاريخية لتحقيق اسرائيل اطماعها في المنطقة.
ب)- نجح نتنياهو بـ(جرّ) ايران لحرب مباشرة مع اسرائيل، فضربه للقنصلية الايرانية في سوريا أجبر طهران على توجيه نحو 300 طائرة مسيّرة وصواريخ نحو تل أبيب نيسان الماضي.. وكل التوقعات اليوم بأن يكون الردّ الايراني «مباشرا» وأكثر قوّة انتقاما لكرامتها بعد اغتيال ضيف يزورها -بحجم الشهيد اسماعيل هنية- يوم تنصيب رئيسها الجديد!
ج)- اسرائيل أيضا، بهذا الاغتيال وبهذا التوقيت (تنصيب الرئيس الجديد) انّما تعمد الى القضاء على أيّة فرصة كان من الممكن أن تجدّد المسار الدبلوماسي بين طهران
وواشنطن حول «الملف النووي»، بعد انتخاب الرئيس الايراني الجديد مسعود بزشيكيان.
د)- اغتيال القائد الشهيد «هنيّة» صوت العقل المعتدل يؤكد أن اسرائيل «كاذبة» في كل مفاوضات الهدنة ووقف الحرب، فهي تريد التصعيد الى ما لا نهاية.
ه)- اسرائيل وبعد 10 أشهر أيقنت تماما أنّها تعرّت أمام العالم، وأنّ زيادة في جرائمها لن تحدث فرقا في صورتها السوداء أمام شعوب العالم، وهي تدرك أن توسعة الحرب اقليميا يفاقم الصراعات ويضرّ بسمعتها الدولية، وهذا في المقابل يصبّ في صالح القضية الفلسطينية التي عادت للمشهد الدولي ويصب في صالح «حماس» التي تؤكد كذب الكيان المغتصب الذي لا يأبه بحياة الرهائن الاسرائيليين.
5 - أخيرا يجب أن ندرك بأن الولايات المتحدة -حتى ولو دخلت في حرب لم تكن تريد لها أن تتّسع اقليميا- الاّ أنّ ذلك يتيح لها بصورة أو بأخرى وقبيل الانتخابات الرئاسية أن تحقّق ما يلي:
أ)- فرصة لاعادة ترتيب المشهد الاقليمي وتوازنات المنطقة باشرافها، وكما تريد بعد تغيّر المشهد العام منذ7 اكتوبر.
ب)- اعادة «التمترس أو التعسكر» في منطقة ساخنة ومهمّة لها، استطاعت الصين أن تعزّز حضورها فيها بالسنوات الاخيرة، خصوصا وأنّ الصين تعدّ الشريك التجاري الأول عالميا لدول المنطقة، وتشكلّ «نافذة « فكّ الحصار عن الاقتصاد الايراني.
ج) هذا الاستنفار العسكري غير المسبوق بالبارجات والسفن البحرية وحاملات الطائرات في الخليج العربي وبحر عمان والبحرين الاحمر والمتوسط يؤكد أنّ الولايات المتحدة توجّه رسائل لقوى أكبر، في مقدمتها الصين وروسيا القابعة في اوكرانيا للسنة الثالثة بمواجهة اوروبا والولايات المتحدة.
-باختصار: بعد عشرة أشهر دخل الاقليم في مرحلة عنوانها «الرد، والرد على الرد» بأنماط «الانتقام التصاعدي». منطقيا.. لن تنتهي الاّ باستسلام طرف (وهذا بعيد المنال) أو بحرب مفتوحة، لا يعلم -غير الله- كيف ستنتهي.