زاد الاردن الاخباري -
في الوقت الذي تتصدر فيه الدبلوماسية الأردنية المتقدمة واجهة الأحداث لمنع التوسع بالحرب في المنطقة، يرى مراقبون أنه بات المطلوب الآن من جميع الأطراف الدولية العمل والضغط باتجاه إنهاء الحرب على غزة، عبر تسوية شاملة تمنع أيضا رد إيران وحزب الله على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية والقيادي في حزب الله فؤاد شكر.
ومنذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تحركت الدبلوماسية الأردنية بشكل فاعل إقليمياً ودولياً، وانصب هدفها على منع انزلاق المنطقة إلى الهاوية وتوسع الحرب، إذ اعتبرت المملكة بشكل واضح أن وقف الحرب على غزة هو متطلب أساسي لمنع المزيد من التصعيد في المنطقة، وهذا ما أكده جلالة الملك في اتصال هاتفي مع الرئيس القبرصي الخميس الماضي، كما أشار في حديث هاتفي مع الرئيس الأميركي جوزيف بايدن الاثنين الماضي، إلى أن التوصل لوقف فوري ودائم لإطلاق النار وإنهاء الكارثة بغزة هو الخطوة الفورية التي يجب تنفيذها لحماية أمن المنطقة ومنع المزيد من الحرب والصراع.
الأردن من خلال اتصالات جلالة الملك مع قادة العالم، واتصالات نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين مع نظرائه وزيارته لطهران مؤخرا، أرسل رسالة واضحة مفادها أن تحرّك الأردن أساسه التوصل إلى التهدئة في المنطقة ومنع التصعيد، والتنبية إلى أهمية وقف إطلاق النار كأساس لوقف التصعيد بالمنطقة، عبر المساهمة بتنويع الخيارات والحلول لتفادي الحلول العسكرية.
وفي هذا الإطار، يقول النائب الأسبق الدكتور هايل الودعان الدعجة، قد لا تكون هذه المدة كافية للقول بأن إيران قد لا ترد نتيجة الجهود والضغوط الدولية، وذلك إذا ما عرفنا حجم الإهانة الكبيرة التي سببها لها الكيان الصهيوني المسخ في عقر دارها ويوم احتفالها بمناسبة تنصيب رئيسها، وبحضور شخصيات رسمية إقليمية ودولية جاءت لتشاركها هذه الفعالية الوطنية، وكذلك استهداف الشخصية الثانية في حزب الله من قبل هذا الكيان المجرم، الأمر الذي حتم على إيران التحضير لضربة قوية، وبمشاركة وكلائها وأذرعها في المنطقة بصورة قد تبرر هذا التروي أو التأخير في توجيه ضربة انتقامية تشفي الغليل وتعيد لها اعتبارها.
وتابع الدعجة: "في الوقت نفسه، أدى هذا التأخير إلى تفاقم حالة الخوف والقلق داخل اسرائيل التي كانت وما تزال تتوقع هجوما إيرانيا بأي لحظة، بما يمكن وصفه بأجواء من الرعب رافقها كلف مادية باهظة دفعها وعاشها الكيان المسخ نتيجة لتوقعه الرد الإيراني في أي لحظة كجزء من عملية الردع والانتقام، وهذا بحد ذاته رسالة".
وأتم: "ووسط هذه الأجواء أيضا، زادت الضغوطات والاتهامات الداخلية والخارجية لحكومة نتنياهو بأنها تخلت عن التفاوض بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار والمحتجزين الإسرائيليين الذي تأكد أنه ليس من أولوياتها ولا على أجنداتها عندما اغتالت الشهيد إسماعيل هنية الذي كان يتفاوض معها حول هذه الملفات، إضافة إلى الانتقادات الموجهة لها من أطراف دولية لقيامها بهذا الاغتيال لشخصية معتدلة كهنية، ليكون عليها الاستعداد للتعامل مع شخصية متشددة كيحيى السنوار الذي حل محل هنية، في رسالة إلى الكيان بأن المقاومة الفلسطينية باتت أمام خيارات واحتمالات مفتوحة، بما في ذلك الذهاب في المواجهة الى أبعد الحدود".
واستكمل: "ومع ذلك، وإذا ما افترضنا أن هناك نية إيرانية للتوقف عن الرد رغم ما تمتلكه من ترسانة عسكرية ضخمة وكبيرة، فربما يكون ذلك لاعتبارات لها علاقة بعدم التصعيد تجاوبا مع الجهود الدولية، بما يمكن اعتباره بمثابة التوظيف الإيراني لخطوة الانتقام لكسب المجتمع الدولي، خاصة أنها تعيش ما يشبه العزلة الدولية والعقوبات الدولية، وبالتالي تكون قد حققت مكتسبات مهمة بالنسبة لها على الصعيد الدولي، وفي الوقت نفسه تكون رسالتها إلى الكيان المرعوب على وقع انتظاره الرد في أي لحظة قد وصلت، ما يجعل الأمور في قادم الأيام مرشحة للميل إلى المسار السياسي ووقف الحرب".
وأضاف: "في ظل الجهود الدبلوماسية المتقدمة التي يقودها الاردن لمنع التوسع بالحرب، بات المطلوب اليوم من جميع الأطراف الدولية العمل والضغط باتجاه إنهاء الحرب على غزة من خلال إنجاز صفقة شاملة، تضع حدا لتوسع الصراع، وانعكاساته على المنطقة، والذي ستطال تداعياته الجميع، خاصة أن الأردن كان واضحا وحازما في إبلاغ الأطراف المتصارعة بعدم السماح بأن تكون أجواؤه ساحة حرب لأحد، فهو يسعى لوقف التصعيد".
بدوره، يقول رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات، إنه من غير المعلوم على وجه اليقين إن كان سيكون هناك رد إيراني أم إن إيران تعلق آمالا على إنهاء الحرب مقابل عدم الرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية.
وتابع شنيكات: "بالنسبة للأردن، فإن الطريق الصحيح على قطع التصعيد في المنطقه هو إيقاف الحرب الصهيونية على قطاع غزة، والقبول بتبادل الأسرى، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية، والولوج في مفاوضات تسمح بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم، وهذا ما يتمثل بالدولة الفلسطينية".
الجهد الدبلوماسي الاردني ذهب باتجاه منع التصعيد لقرار نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة الذي يهدف الى خلط الأوراق في المنطقة وإدخالها في أتون الحرب.
ويبدو أن الجهد الدبلوماسي الأردني من خلال الاتصال مع الدول الفاعلة في المنطقة كإيران وقبرص والأطراف الدولية كالولايات المتحده ودول أوروبية يذهب باتجاه مقاربة دولية يكون أساسها عدم رد إيراني على اغتيال هنية ومقابل وقف الحرب.
وأضاف: "حتى هذه اللحظة لا يمكن الجزم بأن الاحتلال سيقبل بهذه المقاربة، إذ إن تصريحات مسؤولية تذهب باتجاه الحرب واستمرارها، من مكتب بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء، إلى سماتريتش وزير المالية، وبن غفير وزير الأمن الداخلي، وإذا فشلت هذه المقاربة فإن الرد الإيراني قادم، وقد يكون أيضا من خلال حزب الله وجماعة أنصار الله في اليمن وأطراف أخرى".
وتابع: "يبدو الصراع قويا بين اتجاهين، الاتجاه الأول يدعو لتسوية سياسية وإيقاف الحرب ضمن مقاربة أوسع للإقليم، وتهدئة الصراع في المنطقه ككل، واتجاه آخر يمثله الأردن والولايات المتحدة ومصر وقطر ودول عربية، وحتى دول أوروبية، لكنه حتى هذه اللحظة يصطدم بالسياسات الصهيونية".
من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة اليرموك، الدكتور محمد خير الجروان، إنه منذ الساعات الأولى لاغتيال إسماعيل هنية في طهران، قادت الولايات المتحدة الأميركية حركة دبلوماسية نشطة عبر قنوات الرسمية (السفارة السويسرية في طهران)، وغير الرسمية السرية (سلطة عمان) لثني إيران عن رد عسكري يقود إلى تفجير الأوضاع في المنطقة، والذهاب إلى حرب إقليمية تشتعل معها جميع الجبهات.
وأضاف الجروان: كما توسعت هذه الجهود لتشمل انخراطا ونشاطا دبلوماسيا أردنيا واضحا عبر زيارة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، لتحييد الأجواء الأردنية عن مسار التصعيد الإيراني- الصهيوني، ولعب دور ضمن الجهود الدولية الرامية لتهدئة التوترات الإقليمية.
وتابع: "وبالتزامن مع ذلك، حرصت الإدارة الأميركية على تعزيز وجودها وانتشارها العسكري وتعزيز أسطولها الجوي كرسائل واضحة على جديتها في التدخل ضد أي هجوم عسكري إيراني يطال الكيان".
واستكمل: "وفي هذا السياق، لعبت أيضا كل من الصين وروسيا دورا في احتواء الرد الإيراني؛ لأن الاضطراب وحالة الفوضى التي يمكن أن تصيب الإقليم تعتبر تهديدا لمصالحهما، ولا شك أن مضمون العمل الدبلوماسي عبر القنوات الرسمية والسرية مع إيران اتخذ مسارين ساهما في هذا الاحتواء المؤقت؛ الأول السعي قدما لتفعيل مسار المفاوضات والوصول لوقف إطلاق النار في غزة عبر قطر ومصر، وهو مسار وضع الحكومة الإيرانية في مأزق يظهر وكأنها تصر على الحرب وتفجير المنطقة إن أصرت على تنفيذ ردها وانتقامها".
وزاد: "أما المسار الثاني فمنح إيران فرصة لفتح قنوات حوار مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي بهدف تحسين علاقاتها وتخفيف أزماتها الداخلية، وهو الأمر الذي يتوافق مع أجندات ورؤى الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان".
وقال: "وفي ضوء ذلك، ليس من الواضح إن استطاع المسار الدبلوماسي النجاح في ثني إيران عن انتقامها العسكري أو فقط تأخير الرد لظروف مؤاتية تنتظرها القيادة الإيرانية، لأن عملية الاغتيال مست سيادة إيران وأمنها القومي، إضافة إلى أن إسرائيل تستثمر الظروف في ضوء الضعف الكبير للولايات المتحدة في التعامل مع حكومتها ولتواصل التصعيد من قبيل قصف مواقع عسكرية في محيط مطار الشعيرات السوري في حمص وقيامها باستهداف مدرسة التابعين التي تؤوي مئات النازحين في غزة".
وبحسب عميد كلية القانون السابق في جامعة الزيتونة الدكتور محمد فهمي الغزو: "تمكن الأردن وعبر دبلوماسية نشطة من إيصال رسالة بأن التصعيد في المنطقة لن يخدم إلا أجندة حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، وتقديم خدمة لتيارات متطرفة في داخلها لإشعال المنطقة خدمة لمخططاتها وأجندتها اليمينية المتطرفة".
وأضاف الغزو: "الأردن من خلال جلالة الملك، أكد في أكثر من مناسبة، ضرورة بذل أقصى الجهود لخفض التوترات في المنطقة، والتوصل إلى تهدئة شاملة لتجنب توسع الصراع والمزيد من الفوضى والدمار، كما أن زيارة نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية أيمن الصفدي إلى طهران وحمله رسالة من جلالته إلى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، كانت حاسمة في ظل الظرف الحساس، الأمر الذي استدعى أن يأخذ الأردن خطوة إلى الأمام في التعاطي مع الجانب الإيراني، واستخدام كل الوسائل والخيارات المتاحة للضغط من أجل منع انزلاق المنطقة إلى الانفجار والفوصى والدمار، وتجنيب المملكة ومواطنيها أي ضرر من الصراع الذي وصل مفاصل صعبة، ما يستدعي من جميع الأطراف الدولية العمل والضغط باتجاه إنهاء الحرب على غزة عبر تسوية شاملة تمنع ايضا رد إيران وحزب الله على اغتيال هنية وشكر".