قدر الأردن وموقعه الجيوسياسي وارتباطه التاريخي والجغرافي والروحي بالقضية الفلسطينية تحديدا وبعمقه القومي العربي عموما جعله دائما في مواجهة الخطوب والاخطار، ويتحمل تداعيات كل ما يجري حوله.
الاردن ومنذ 7 اكتوبر تحديدا يخوض معارك عدة - هي استمرار لمعركة بدأت منذ عام 1948 - وهذه المرّة حرب يتفرع عنها حروب لا تقلّ احداهما خطورة عن الاخرى.
الأردن منذ 7 اكتوبر يخوض حروبا (سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية وانسانية واعلامية وسيبرانية..الخ) والسبب بخلاف ما ذكرته في المقدمة هو موقفه الثابت والصلب في مواجهة ما يتعرض له من أخطار وحروب وافتراءات بسبب موقفه من القضية الفلسطينية عموما ومن العدوان على غزة تحديدا.. واليكم بعض الشواهد:
1 - منذ اليوم الأول والموقف الأردني متقدم جدا بالمطالبة والضغط على المجتمع الدولي من أجل:(وقف فوري للعدوان على غزة -وايصال مساعدات فورية ومستمرة وكافية للحياة في غزة -ومنع كل مؤمرات ومخططات التهجير).
2 - الموقف الأردني المتقدم والواضح والصريح بوقوفه مع الاهل في غزة، والمتمثل بخوض (حرب اعلامية ودبلوماسية وسياسية) لتعرية الاكاذيب والافتراءات والسردية الاسرائيلية لمخاطبة ومناشدة العالم ..هذا الموقف جعل الاردن في مواجهة اعلامية مفتوحة مع اسرائيل وجميع وسائل الاعلام التي تتبنى سرديتها في مختلف دول العالم.
3 - حكمة وحنكة جلالة الملك ومصداقيته لدى قادة وزعماء العالم هي التي ساعدت كثيرا وغيّرت في المواقف، بل جعلت دولا تعيد حساباتها وقراراتها خصوصا بعد ان نجحت السردية الأردنية باطلاع المجتمع الغربي وكشف الفظائع والجرائم التي يرتكبها العدو الاسرائيلي ضد الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والابرياء في غزة وفلسطين.
4 - الاردن بموقفه الواضح والجلي منذ 7 اكتوبر يقف حائط صد امام تنفيذ كل مخططات الابادة والاحتلال الكامل والتجويع والتهجير، بل وتوسيع رقعة الحرب في الإقليم.
5 - تدرك الحكومة الاسرائيلية ان من يقف في الصف الأول لكبح جماحها والحؤول دون تنفيذ أطماعها هو جلالة الملك عبدالله الثاني الذي ينظر له الغرب -حتى من الحكومات الداعمة لاسرائيل - بأن جلالته صوت العقل و رجل السلام في الاقليم، ومواقفه معلنة وصريحة بدعواته الدائمة لسلام حقيقي لن يقوم الاّ بالعدل وارجاع الحقوق لأصحابها وبحلّ الدولتين ..ولذلك تعمل اسرائيل «بماكينة اعلامها واستخباراتها» على تشويه صورة الموقف الاردني ما استطاعت الى ذلك سبيلا.
6 - مخططات اسرائيل وتحديدا رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو، تستهدف توسيع رقعة الحرب وجرّ المنطقة لمزيد من الدمار، وقد صعّدت من ذلك باغتيالها رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية في العاصمة طهران، وقبل ذلك بساعات اغتالت القيادي في حزب الله فؤاد شكر.
7 - الاردن يخوض اليوم حربا دبلوماسية كبيرة في وجه التصعيد في الاقليم، حماية للاردن وحماية لفلسطين وللاقليم بل وللعالم في هذه المنطقة الملتهبة.
8 - مواقف الاردن الثابتة والواضحة والصريحة تجاه الابادة في غزة، وتجاه منع توسع رقعة الحرب تعرضه لتداعيات -بحكم موقعه الجيوسياسي- يحاول أطراف النزاع جعله ساحة لتصفية حسابات - حتى ولو كانت استعراضية -وهو الأمر الذي تصدّى له الاردن وبكل قوة في نيسان الماضي، للذود عن أجوائه وسيادته بمنع أيّة مسيّرات أو صواريخ تمرّ عبر أجوائه مهما كان مصدرها.
9 - موقف الاردن اليوم -كما الامس وكما الغد- واضح وصريح فلن يسمح باختراق أجوائه كما لا يسمح باختراق حدوده البريّة الشمالية في الحرب التي يخوضها ضد عصابات المخدرات والسلاح التي تستهدف أمن الاردن واقتصاده وشبابه وتستهدف دولا شقيقة في الاقليم.
10 - الاردن ومنذ 7 اكتوبر يواجه تداعيات «حرب اقتصادية» جرّاء ما يجري عند باب المندب وعبر البحر الاحمر.
11 - الاردن يتعرض «لحرب سيبرانية» وذباب الكتروني، بادعاءات واتهامات باطلة من اسرائيل وغيرها تشكّك في مواقف المملكة، بسبب مواقفها التي تزعج الاعداء وتكشف كذب اؤلئك «الذين يقولون ما لا يفعلون»، و يتذرعون بالاردن حجّة ليجعلوا منها «ساحة لتصفية حسابات استعراضية»، ويضغطون عليها وهم يملكون -لو أرادوا- منافذ أخرى أكثر قربا من خلال وكلائهم في الاقليم.
12 - من أهم ما تحقق للعالم كله بعد 7 اكتوبر أن الأمور أصبحت «عالمكشوف» والمواقف واضحة للجميع وصار معروفا مثلا:
-لماذا يصرّ نتنياهو على عدم وقف الحرب وتوسيعها اقليميا حتى لو فقد جميع الرهائن؟!
-لماذا تواصل امريكا دعمها لاسرائيل (عسكريا) وترفض ما تقوم به (اعلاميا)؟!
- لماذا تكثر ايران من التهديد والوعيد ضد اسرائيل..وهل ستضرب اسرائيل حقا أم أن لها حساباتها الخاصة؟!
* باختصار: الأردن يخوض حروبا بسبب مواقفه الثابتة والصريحة والمقرونة بالافعال، وهذا يغضب ويكشف من يقولون ما لا يفعلون، ومن يتذرعون ويتذاكون ولا يدركون بأن الأمور باتت أكثر وضوحا وأن الكذب مهما طال فان حبله قصير.. وستكشفه الأيام القريبة جدا.