لقد خبر الأردن كل الأحداث والتطورات التي أحاطت به على مدى قرن من الزمان، ولديه الآن، وفي هذا الوقت العصيب من الخبرات المتراكمة ما يكفي لكي يفهم اللحظة التاريخية التي يقف عندها، ويقف عندها هؤلاء جميعا الذين تتشكل منهم معادلة الحرب الإقليمية ما بين منع وقوعها، وما بين اندلاعها على نطاق واسع، ويدرك كذلك أين يقف في الحالتين.
خبرة الأردن ومعرفته العميقة لأصل وطبيعة التوازنات التي تحكم العلاقة بين دول الإقليم، وارتباطها بالعلاقات والمصالح الدولية منحته القدرة دائما على استشراف الأحداث قبل وقوعها، والقدرة كذلك على توقع نتائجها ومآلاتها، وفي الغالب الأعم تعرف معظم الأطراف الإقليمية أن الأردن يعرف عنها ما يكفي لكي يفهم مشروعها الإقليمي، ويبني موقفه بما يضمن مصالحه العليا، وهي مصالح ليست معزولة عن المصالح المشتركة التي يجب أن تقوم على أساس نظرية الأمن والتعاون المشترك من أجل استقرار دول وشعوب المنطقة ونمائها وازدهارها!
سبق وأن أوضح جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين وفي مناسبات عديدة، ومن على منبر الأمم المتحدة، وفي مؤتمرات دولية، ومحادثات مباشرة أن أمام هذه المنطقة بكل ما فيها من متناقضات طريقين لا ثالث لهما فإما أن تواصل الدول التي تعد نفسها ( قوة إقليمية) مشروعها الأحادي سواء ذلك المرتبط بموروث تاريخي قديم، أو ذلك المرتبط بالتنافس على القوة العسكرية والاقتصادية، وإما أن تنتهج جميع الأطراف سبيل التفاوض السلمي لحل المشكلات والأزمات على أساس القوانين والأعراف والمعاهدات الدولية، والمصالح المتبادلة والمشتركة.
جلالة الملك رسم موقف الأردن على أساس أن الدولة ذات القوة الإقليمية هي تلك التي تعمل على ايجاد منطقة وسطى يلتقي عندها الجميع للتفاهم، وليست الدولة التي تستعرض عضلاتها وتهدد جيرانها وتتباهى بقوتها العسكرية، وتشعل نيران الحرب والعدوان، لأنها بذلك ستدفع الآخرين نحو التنافس على القوة العسكرية ليتحول الإقليم إلى بركان قابل للانفجار!
علمتنا التجارب كذلك أن موقفا على هذه الدرجة من الإنسانية والنبل يمكن ألا يرضي طرفي المعادلة في أي نزاع، ولعل المجال لا يتسع للتذكير بعشرات الأمثلة من صراعات شهدتها المنطقة تعرض فيها الأردن لحملات من كلا الطرفين المتصارعين، ولكن يكفي أن أشير إلى ردود الأفعال بشأن ما تم التعبير عنه كموقف لا تراجع عنه بشأن عدم السماح بانتهاك المجال الجوي الأردني، فضلا عن الحملات المنظمة التي تستهدف الأردن وتقف وراءها جهات من عدة جهات يفترض أنها متناقضة ومتحاربة!
دائما نقول إن وعينا الوطني هو أحد أهم عناصر قوتنا في كشف أسباب التزوير والافتراء والكذب الذي يتعرض له بلدنا، ويجد للأسف من يروج له ويزيد عليها، والمهم الآن هو أن نكون على يقين بأننا نحن نقف في مساحة العقل والحق، وندرك حجم المخاطر التي تحيط بنا نتيجة هذا الوضع الاستثنائي الذي ينذر بما هو أخطر وأسوأ.
بلدنا نسعى مع الساعين إلى وضع حد للتصعيد، ويساند الجهود الرامية إلى وقف حرب الإبادة على غزة، وجهود الوساطة المصرية القطرية الأميركية لتحقيق تلك الغاية ويواصل العمل نحو مزيد من الإغاثة العالمية لأهلنا في غزة، ولكن إلى جانب ذلك كله فالأردن قادر على حماية حدوده الترابية والجوية والبحرية، ويدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعه، ويعرف ما له وما عليه ويمضي قدما نحو تحقيق مشروعه الوطني من خلال تحديث منظوماته السياسية والاقتصادية والإدارية، وكل ما يحقق الخير والسلام لشعبه وأمته.