زاد الاردن الاخباري -
تتصاعد حدة التوترات على ضفتي نهر الفرات شمال شرق سوريا على وقع المواجهات المتبادلة بين قوات سوريا الديمقراطية "قسد" من جهة، وبين مقاتلي العشائر في المنطقة وقوات النظام السوري المدعومة بالمليشيات الإيرانية من جهة أخرى، في حين تسعى روسيا عبر نفوذها إلى تهدئة التوتر بين الجانبين.
واشتعلت المواجهات في شمال شرق سوريا، في أعقاب شن مقاتلين من ما يعرف بـ"جيش العشائر" هجوما على مناطق سيطرة "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة، انطلاقا من مناطق النظام السوري غربي نهر الفرات، الأربعاء الماضي.
وخلال الأيام القليلة الماضية شهدت المنطقة مواجهات وقصفا متبادلا بين أطراف النزاع، ما أسفر عن قتلى عسكريين لدى الجانبين وضحايا مدنيين.
والجمعة الماضي، قُتل مدنيون بينهم أطفال عقب قصف مدفعي استهدف قرية الدحلة الواقعة في ريف محافظة دير الزور شرقي نهر الفرات.
وفي حين ذكرت مصادر محلية أن مليشيات موالية لإيران كانت وراء "المجزرة"، فقد اتهمت "قسد" قوات النظام السوري بالوقوف وراء الهجوم الذي استهدف كلّا من قريتي الدحلة وجديد بكارة في ريف دير الزور الشرقي.
وفي سياق التطورات العسكرية، تفرض قوات سوريا الديمقراطية حصارا على ما يعرف بـ"المربع الأمني" التابع للنظام السوري في ريف محافظة الحسكة لليوم السادس على التوالي.
ويضم "المربع الأمني" الواقع في مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة، فروع الأجهزة الأمنية للنظام السوري ومؤسسات الدولة، وسط مساع روسية لفك الحصار عن النظام وتهدئة التوترات المتصاعدة في المنطقة.
ومساء الاثنين، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية عن تنفيذ "عملية استهدفت ثلاثة مواقع لقوات النظام السوري في محافظة دير الزور، أسفرت عن مقتل 18 عنصرا وجرح آخرين"، موضحة أن الهجوم جاء ردا على "مجزرتي الدحلة وجديد بكارة".
ووفقا لبيان قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، فإن الهجوم الذي طال نقاطا للنظام السوري في قرى على الضفة الغربية لنهر الفرات شرق دير الزور، هي الكشمة والبوليل والطوب، أسفر عن "مقتل اثنين آخرين في اشتباك منفصل"، فضلا عن تمكنها من "الاستيلاء على 11 بندقية من نوع كلاشنكوف ومعدات عسكرية إضافية".
في غضون ذلك، ذكرت مصادر محلية أن ثمانية من عناصر مليشيا "لواء الباقر" الموالية لإيران لقوا حتفهم عقب استهداف مركبتهم بطائرة مسيرة مجهولة الهوية على طريق الدوير - الكشمة بريف دير الزور الشرقي.
"صدامات متكررة"
مدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون للدراسات المعاصرة، سمير العبد الله، يرى أن "ما حدث في دير الزور خلال الأيام الماضية ليس سوى تكرار للصدامات التي تعيشها المنطقة بين أبناء العشائر وقوات قسد".
ويوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن تلك الصدامات تأتي "نتيجة للوضع المتأزم تحت سيطرة قسد، خاصة العناصر غير السورية، وما يرافق ذلك من حرمان للمنطقة من الاستفادة من مواردها النفطية الغنية وتهميش أبنائها".
وكانت المنطقة شهدت العام الماضي انتفاضة شعبية واسعة ضد قوات سوريا الديمقراطية التي تهيمن عليها وحدات الحماية الكردية، في مناطق شمال شرق سوريا، بما في ذلك دير الزور والرقة رفضا لـ"تهميش المكون العربي وقيام قسد بسرقة ثروات المنطقة".
وفي أواخر آب/ أغسطس من العام الماضي، اندلعت الاشتباكات المسلحة التي ترافقت مع سخط شعبي متصاعد في المنطقة عقب اعتقال "قسد" قائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل المعروف بلقب "أبو خولة".
وسرعان ما اتسعت رقعة المواجهات حينها إلى مساحات واسعة من مناطق نفوذ قوات سوريا الديمقراطية، وتصدر إبراهيم الهفل، شيخ قبيلة "العكيدات"، الحراك العشائري ضد "قسد"، قبل أن ينسحب إلى مناطق النظام السوري مع إعلان قوات سوريا الديمقراطية استعادة سيطرتها وانتهاء العمليات العسكرية يوم 8 أيلول /سبتمبر الماضي.
بحسب سمير العبد الله، فإن الجديد في الصدامات هذه المرة أن "الهجوم انطلق من مناطق سيطرة النظام السوري، وبدعم إيراني، في ظل رغبة النظام وحلفائه في تعزيز نفوذهم بالمنطقة، ومحاولة إيرانية لمناكفة الولايات المتحدة".
"لذلك، لا يمكن وصفه بأنه حراك عشائري، بل إنه حراك إيراني لخلط الأوراق"، وفقا لمدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون للدراسات المعاصرة.
من جهته، يرى الباحث في مركز عمران للدراسات سامر الأحمد، أن "الهجوم الأخير ضد ’قسد‘ يأتي بعد مساعي إيران لكسب قوات العشائر، ما أسفر عن تهميش إبراهيم الهفل إلى حد كبير، ليتحول إلى واجهة إعلامية".
ويوضح في حديثه لـ"عربي21"، أن النفوذ الفعلي في الميدان يعود إلى ما يعرف "بأسود العكيدات" التي يقودها هاشم السطام، الإيراني الولاء، بحسب تعبير الأحمد.
جهود روسية للوساطة
تعمل روسيا، حليف النظام السوري، على تهدئة التوترات المتصاعدة في المنطقة وفك الحصار الذي تفرضه قوات سوريا الديمقراطية على قوات النظام السوري في "المربع الأمني" في ريف محافظة الحسكة.
والاثنين، أجرت موسكو جولة جديدة من المفاوضات لبحث فرص التهدئة مع "قسد"، وذلك بالتزامن مع تواصل طرفي المواجهات المشتعلة حشد قواتهما، بالتزامن مع موجة نزوح جماعية للمدنيين.
وذكرت صحف محلية، أن وفدا روسيا يضم عناصر من قوات النظام السوري وضباطا من روسيا برئاسة قائد القوات الروسية العاملة في سوريا، سيرغي كيسيل، وصل إلى القامشلي في ريف الحسكة عبر حوامة عسكرية.
وتسعى موسكو إلى الحد من تصاعد التوترات بين "قسد" والنظام السوري وفك الحصار المفروض على مقار النظام في القامشلي، منذ الأربعاء الماضي، حسب مصادر محلية.
وهذه ثاني جولة تفاوضية تجريها روسيا في ظل المواجهات بين "قسد" والنظام السوري المدعوم بمليشيات موالية لإيران، حيث وصل يوم الجمعة الماضي وفد ضم كيسيل وضباطا من النظام، إلا أن المحادثات لم تسفر عن وقف الاشتباكات المشتعلة.
سمير العبد الله، يوضح أن "روسيا أرادت من خلال وساطتها أن تعزز دورها في المنطقة التي تتمركز فيها القوات الأمريكية، وتحقيق مكاسب لحليفها، النظام السوري".
وتنتشر قوات تقودها الولايات المتحدة ضمن ما يعرف بـ"التحالف الدولي" على شكل قواعد عسكرية، في مواقع مختلفة من شمال شرق سوريا، بما في ذلك محافظة دير الزور التي تحتضن حقول نفط "كونوكو" و"العمر" و"التنك".
ويرى مدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون، أن "فشل الوساطة الروسية يعكس تعقيد الوضع وتشابك المصالح المتضاربة، حيث تجد روسيا نفسها مضطرة للتعامل مع تحديات متعددة في سوريا، بدءا من دعم النظام السوري، مرورا بالحفاظ على علاقات مع قسد، وصولا إلى إدارة التوترات مع تركيا وإيران".
"وقد تستغل قسد هذا التصعيد في تعزيز هيمنتها وسيطرتها الأمنية على المنطقة"، بحسب العبد الله.
في السياق ذاته، يشير سامر الأحمد في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن الروس يحاولون تهدئة التوترات في المنطقة لكن لم ينجحوا إلى حد كبير"، مستدركا بأن "هناك تفاهمات أولية غير واضحة الملامح بعد، تم التوصل إليها حديثا عبر الوساطة الروسية، تشمل منع هجمات العشائر وفتح الطرقات المؤدية للمربعات الأمنية وإدخال المياه".
ويربط الأحمد إمكانية تراجع التوترات في المنطقة بقدرة الوسطاء الروس على الحد من اشتعال المنطقة، موضحا أن "الجميع يضع يده على الزناد"، بحسب تعبيره.
في هذا السياق، ذكرت منصات محلية أن "قسد" سمحت بدخول "صهاريج المياه إلى الأحياء الواقعة في المربع الأمني التابع لنظام الأسد" في الحسكة، في إشارة إلى تقدم في الوساطة الروسية
ويرى الباحث في مركز عمران للدراسات، أن روسيا "تمتلك أدوات سياسية وأمنية للضغط على كل من قوات سوريا الديمقراطية والنظام السوري".
أما سمير العبد الله، فيشدد في ختام حديثه لـ"عربي21"، على أن "الوضع العام في المنطقة معقد ومفتوح على جميع الاحتمالات".
و"قد ينجح التدخل الروسي في الحد من التصعيد مرحليا، لكنه قد لا يكون كافيا لمنع تصاعد التوترات على المدى الطويل، خاصة مع وجود العديد من الأطراف المتنافسة ذات الأهداف المختلفة"، وفقا لمدير قسم التحليل السياسي في مركز حرمون للدراسات المعاصرة.