لا يعرف كثيرون عن علاقات إسرائيل وإيران سوى التهديدات المتبادلة والتراشق الدبلوماسي الحاد. والحقيقة أن العلاقات بينهما لم تكن دائما مشحونة إلا بتضارب المصالح.
كانت طهران من أوائل دول المنطقة التي اعترفت بإسرائيل بعد تأسيسها عام 1948، ولم تنته علاقاتهما الدبلوماسية إلى الآن.
فقد أقام شاه إيران علاقات وثيقة مع الدولة العبرية. وكانت إيران تضم أكبر جالية يهودية في الشرق الأوسط.
وكانت لإسرائيل في إيران بعثة دبلوماسية كبيرة، وكانت تستورد منها 40 بالمئة من إحتياجاتها النفطية، مقابل تزويد إيران بالأسلحة والقدرات التكنولوجية والمنتجات الزراعية.
في العام 1957، أنشئت منظمة المخابرات والأمن القومي الإيرانية "سافاك" بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ولاحقا مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "موساد".
و خلال الحرب الإيرانية-العراقية (1980-1988)، سلمت إسرائيل إيران نحو 1500 صاروخ. وتم كشف هذه العملية في إطار قضية بيع أسلحة أمريكية لإيران (إيرانغيت)، في إطار مساعي تحرير رهائن أمريكيين احتجزوا في لبنان.
ظن البعض مؤخرا أن الحرب بين إيران وإسرائيل قد تندلع بين لحظة وأخرى بعد أن ادعت إسرائيل أنها أسقطت طائرة استطلاع إيرانية داخل الأجواء الإسرائيلية كانت قادمة من قاعدة إيرانية في سوريا. ومما زاد في تأزم الوضع بين طهران وتل أبيب أن النظام السوري أسقط طائرة إسرائيلية في اليوم نفسه لأول مرة منذ واحد وثلاثين عاما. هذه الأجواء المحمومة جعلت الكثيرين يتوقعون أن تشتعل الحرب بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى.
لكن السياسة علمتنا أن لا نأخذ أبدا بظاهر الأمور مهما كانت مشتعلة إعلاميا، فالحقيقة لا تجدها في وسائل الإعلام ولا في التصريحات السياسية النارية، بل تجدها على أرض الواقع. وقد أخبرنا الفلاسفة الإغريق أن لا نركز على ما يقوله الساسة، بل على ما يفعلونه على الأرض. ولو نظرنا إلى ما فعلته إسرائيل وإيران على الأرض، نجد أن الطرفين حلف واحد يتقاسم العالم العربي بالمسطرة والقلم.
فهناك اتفاق بين إيران من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى، يسمح لإيران بالتمدد واستعداء العرب للتخفيف من العداء العربي لإسرائيل. بعبارة أخرى هناك اتفاق بين إسرائيل وإيران على تقاسم العداء مع العرب، فبدلا من أن تظل إسرائيل البعبع والعدو الوحيد للعرب في المنطقة، تتقاسم العداء مع إيران، بحيث يخف الضغط على إسرائيل. ولو نظرنا الآن لوجدنا ثمرات هذا الاتفاق على الأرض؛ ألم يصبح غالبية العرب ينظرون إلى إيران على أنها أخطر عليهم من إسرائيل؟
وبالتالي، فإن كل العداء هذا الظاهر بين الصفيوني والصهيوني مجرد ضحك على الذقون. أما الخوف الإسرائيلي من الوجود الإيراني في سوريا ولبنان فقد أصبح نكتة سمجة لم تعد تنطلي على مغفل.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي