بداية، علينا أن نذكّر بأنّ المديونية قضية ومشكلة عالمية، وقد تفاقمت كثيرا منذ «جائحة كورونا» ، وأنّ الدّين العالمي بلغ 315 تريليون دولار، وأنّ الولايات المتحدة الامريكية صاحبة أكبر اقتصاد في العالم هي بالوقت ذاته أكبر دولة مديونة، فنصيبها من الدّين العالمي يبلغ 35 تريليون دولار.
أمّا الأردن فهي دولة من بين 200 دولة مديونة في العالم، وهي -بحسب التصنيف والترتيب العالمي- في الثلث الأول بين تلك الدول.
مشكلة كثير ممن يتحدثون أو يكتبون عن «مديونية الأردن» أنهم يتعاملون من رقمين «مصمتين» .. بالقراءة الأولى لهما يعدّان « صادمان» وهما: أنّ اجمالي الدّين الاردني بلغ نحو 42.5 مليار دينار وهو ما يشكل نحو 115 % من اجمالي الناتج المحلي (مع دين صندوق الضمان)، الذي يضاف رقم مديونيته (9.5مليار دينار) ليصبح رقما ثالثا ينحصر الحديث حولها دون تحليل أو تمحيص أو قراءة مالية رقمية تمكننا من الاجابة عن الاسئلة التالية؟
1 - هل الاقتصاد الاردني في «خطر» بسبب هذه المديونية؟
2 - هل أموال الضمان في «خطر» بسبب مديونية الحكومة؟
3 - ..وهل نسير في اتجاه إصلاحي صحيح من أجل تخفيض هذه المديونية؟
للاجابة عن هذه الاسئلة التي تتردد في معظم المقالات والمقابلات، وحتى بتحليلات لا تدخل في عمق الارقام المعلنة للجميع، علينا أن نحلّل تلك الارقام وصولا لاجابات شافية على تلك الاسئلة التي تعبّر عن «قلق غيرمبرّر» كما ستبينه القراءة المعمّقة.. واليكم التفاصيل:
1 - دين الحكومة على صندوق الضمان الاجتماعي (9.5 مليار دينار) يصنّف بأنه دين مضمون السداد، ومنذ انشاء «الصندوق» لم تتأخر الحكومة عن سداد ديونها له تماما كما لم تتأخر عن سداد أي دين داخلي أو خارجي في موعده المحدد.
2 - «السندات الحكومية» دين مضمون لصندوق أموال الضمان (بفوائد مرتفعة) يتنافس عليها الصندوق كما البنوك المحلية ويحقق عائدا هو في النهاية مكسب وربح لمشتركي الضمان.
3 - «السندات الحكومية» تتنافس على شرائها البنوك المحلية وهناك نحو 7 - 8 مليارات دينارعلى الحكومة لصالح البنوك (وهي أيضا مضمونة السداد) ولذلك لا تقلق البنوك من هذه المديونية بل تتنافس على شراء هذه السندات مضمونة السداد ومضمونة الربح بفائدة وعائد مرتفعين.
4 - الحالة الوحيدة المقلقة المتعلقة بدين الحكومة لصالح الضمان هو أن لا تستطيع الحكومة سداد الدّين، وهذا لا يكون الاّ في حال افلاس الدولة -لا قدرالله -ولا توجد دولة في العالم أفلست، لأنّ لكل دولة أدواتها في الحصول على الاموال.
5 - أمّا اجمالي الدّين العام الداخلي والخارجي (42.5 مليار دينار) فيجب أن يقرأ «مجزءا» حتى يمكن تحليله وحصر مكامن «الخطورة» و «الاطمئنان» في قدرة الدولة على السداد، وذلك على النحو التالي:
أ)- 14 مليار مديونية بالدينار الأردني... (9.5 مليار للضمان).
ب) - 18.5 مليار (بالعملة الاجنبية).
ج) - 4.17 مليارديون أخرى بالعملات الاجنبية والمحلية.
6 - صافي الدين بالعملة الاجنبية = 14 مليار - وهذا الرقم هو ما يستوجب التوقف عنده وتحليل ما اذا كان الاردن قادرا على سداده أم لا، خلال معدل 8 سنوات؟.. وخلاصة الاجابة عن هذا السؤال بالنقاط التالية:
أ)- منذ نشأة الدولة الاردنية لم تتأخر حكومة من الحكومات عن السداد في الموعد المحدد.
ب)- لدى الاردن ما يكفي من صادرات (تصل لنحو 14 ملياردولار)+ تحويلات المغتربين (نحو 3.5 ملياردولار)+ ايرادات اخرى في مقدمتها السياحة وغيرها.
ج)- احتياطيات البنك المركزي (19 مليار دولار/ رقم تاريخي) حجمها لرصيد الدين الخارجي يغطي 70 % من المديونية (دول كثيرة لا تغطي احتياطياتها أكثر من 56 %).
7 - الحكومة الاردنية تسير بطريق الاصلاح الاقتصادي الصحيح وتنفذ رؤية تحديث اقتصادي واضحة، والارقام تقول إن المديونية نعم تزيد منذ 2020 ولكن بنسب متناقصة ( 5 % هبطت الى 4 % في العام الذي يليه وهي اليوم 0.3 %) مما يؤكد أننا في الاتجاه الصحيح وصولا الى مديونية في حدود 76.5 % من ناتج الاجمالي المحلي في العام 2029 (بحسب دراسة «للمركزي» وهو ما يتوافق مع برامج الاصلاح المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي)، وبسياستين مالية ونقدية حصيفتين، دون أن تفرض رسوما أو ضرائب على المواطنين، بل حسّنت تحصيلاتها الضريبية.
8 - لو لم يكن الاقتصاد الاردني يسير في الاتجاه الصحيح لما نجحنا في المراجعات مع صندوق النقد الدولي ولما جدّد الصندوق اتفاقه حتى 2028 ولما نجحت الحكومة بطرح سندات اليوربوند بفائدة اقل وبعروض اكثر من المطلوب ولما تحسن تصنيفنا الائتماني في ظل كل هذه الظروف التي تراجعت فيها اقتصادات الاقليم والعالم.
* باختصار: اقتصادنا صامد وناجح بمواجهة ظروف صعبة وبالمقارنة مع كثيرين (دينارنا قوي ومستقر منذ العام 1995 ودول حولنا انهارت عملتها)، ومديونيتنا (دون مبالغة ولا مجاملة) غير مقلقة، و لا خطر أبدا على الدّين الحكومي لصندوق الضمان.. والدين العام بالارقام «تحت السيطرة» ولا قلق عليه أبدا، وأن إدارة الدّين تسير في الطريق الصحيح.