يعتبر “الإقناع” العنصر الأهم في الدعاية السياسية، وهو الأساس الذي تنطلق منه الحملات الانتخابية التي تستهدف الناخب، وبخاصة المتردد الذي لم يحسم موقفه، بهدف التأثير على آرائه واتجاهاته في التصويت.
الدعاية السياسية ليست مسألة اعتباطية، بل هي معادلة إعلامية وعلمية تعتمد على ثلاثة أطراف رئيسية: المرسل (الحزب أو المترشح)، والمتلقي (الناخب)، والمحتوى أو المضمون السياسي. حتى يكون المضمون السياسي مقنعًا والخطاب متماسكًا، يجب أن يستند إلى منظومة متكاملة من القيم السياسية والحقوقية والاجتماعية، وأن يتماشى مع الهوية السياسية للحزب أو المترشح.
أما الحملات الانتخابية فهي مسألة عقل وعاطفة، تخاطب أحلام الناس وتتفهم مخاوفهم، وتضع حلولا للمشاكل وتقدم وعودا للمستقبل. يعتمد نجاح الحملة الانتخابية على القدرة على إبراز التباين بين المترشحين أو التيارات السياسية المختلفة وتوضيح مواقفهم من القضايا العامة، مما يمكّن الناخب من المفاضلة بين هذا المترشح وذاك، وهذا الحزب والآخر.
مناسبة هذا الحديث هي انطلاق الحملات الانتخابية. وحتى لو حاولنا التلطف بمجهود المترشحين، لا يمكننا التغاضي عن هذا الاستخفاف بعقلية الناخب في معظم الحملات الانتخابية.
كما أن الحديث عن حداثة التجربة الحزبية لا يبرر إضاعة الوقت والفرصة، فالديناميكية التي تقوم عليها الانتخابات في كل العالم، هي حالة من الاستقطاب الشديد بين الأحزاب السياسية على أساس البرامج والخيارات، الاستقطاب الذي يولد جدلًا سياسيًا حادا حول القضايا الوطنية والسياسيات الحكومية، ويحفز الناخبين للخروج بكثافة للإدلاء بأصواتهم، فأين نحن من ذلك؟
وكان من المفترض أن تخلق الحملات الانتخابية الحزبية ثقافة تصويتية جديدة، بدلاً من تعزيز الثقافة القديمة التي تعتمد على “الطوفان الاجتماعي” بين المنازل والحارات. فكم زيارة اجتماعية من المفترض أن ينفذها مترشح القائمة الوطنية ليحصل على مئات الآلاف من الأصوات في ظل ضيق الوقت وحرارة الطقس وأزمة السير الخانقة وطاقته البشرية؟ وماذا لو خضع هذا الحراك الاجتماعي أيضا لمنطق العتب الاجتماعي؟ هل معنى ذلك أن الحزب سيواجه بحالة عامة من الحرد الوطني؟
لا أعلم لماذا تتجاهل الأحزاب الأدبيات العلمية في الترويج والدعاية، ولماذا لا تسخر التقنية الحديثة من ووسائل التواصل الاجتماعي لذلك؟ هل المسألة متعلقة بالتمويل؟ ماذا عن الأموال الطائلة التي تصرف في الحملات الانتخابية؟ وهل حقا ستؤثر الفوضى البصرية التي خلقتها صور المترشحين في اتجاهات الناخبين وقناعاتهم؟
قد يعتقد البعض أن الحديث عن التسويق في المجال السياسي وضوابطه العلمية والمهنية رفاهية، ولكنه أولوية في الثقافات الأخرى. حيث تولي الدول والحكومات والمنظمات والأحزاب وجماعات الضغط أهمية قصوى للتسويق والاتصال السياسي، وتستثمر ملايين الدولارات لتطوير هذه المعارف. السبب ببساطة أن التسويق السياسي أداة للسيطرة على الناخبين وتوجهاتهم، هذه التوجهات والاختيارات قد تصل لاختيار قادة الدول والرؤساء وهم بالمحصلة من يتحكم بمصير الشعوب.
الرهان اليوم على الأحزاب وحدها، لتسعى بكل ما تملك إلى تجديد الخطاب وتطوير الأساليب والاستفادة من التقنية الحديثة حتى لو كانت تلعب في الوقت الضائع فأجمل الأهداف سُجلت في الوقت الضائع!