زاد الاردن الاخباري -
منذ العام 1948، استقدمت إسرائيل ملايين اليهود من أنحاء العالم لكي تقيم لهم وطنا على أنقاض الشعب الفلسطيني بعد أن سوقت الحركة الصهيونية له كملاذ آمن خصوصا بعد المحرقة النازية، لكن هؤلاء بدؤوا العودة للغرب مجددا بعد عملية طوفان الأقصى.
وبعد سنوات من محاولة ترسيخ جذور القادمين الجدد على حساب أصحاب الأرض الأصليين، وتوثيق العلاقة بين "المواطنين" و"الدولة"، جاءت عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي لتزلزل هذه العلاقة التي يقول ساسة وعسكريون إسرائيليون إنها تلقت أكبر ضربة في تاريخها، مستندين في ذلك إلى عمليات الهجرة العكسية المتزايدة بشكل ملحوظ.
وتثير عمليات هجرة اليهود من إسرائيل حاليا هواجس كانت مؤجلة منذ زمن. ووفقا لتقرير أعدّه مراسل الجزيرة إلياس كرّام، فإن الأرقام الرسمية تقول إن قرابة نصف مليون ممن كانوا خارج البلاد قبل عملية طوفان الأقصى لم يعودوا حتى الآن، فيما غادر 375 ألفا بعد الحرب.
** غياب الشفافية
ولا يمكن تحديد ما إذا كانت هذه الأرقام تعكس حقيقة عدد الإسرائيليين الذين هاجروا بشكل دائم أو مؤقت أم إنهم كانوا على سفر خارج البلاد في تلك الفترات لأن سلطة الهجرة والسكان لا تستفيض في نشر التفاصيل.
لكن الهجرة العكسية سجلت ارتفاعا ملحوظا مع اندلاع موجة الاحتجاجات الشعبية ضد محاولات حكومة بنيامين نتنياهو التي حاولت الانقلاب على السلطة القضائية خلال عام 2023. وقد استمرت على هذا النحو خلال الأشهر الأولى من العام الجاري مع تجدد الاحتجاجات المطالبة بإسقاط الحكومة.
وبحسب بيانات دائرة الإحصاء الإسرائيلية، فقد هاجر 60 ألف إسرائيلي خلال عام 2022 ومثلهم في 2023، ووفقا لصحيفة "يديعوت آحرونوت" فإن التهديدات الأمنية كانت سببا رئيسا للهجرة.
ورغم أن عملية القدوم إلى إسرائيل لم تتوقف يوما فإنها تراجعت بنحو 70% في الشهور الأولى للحرب؛ حيث وصل ألفا يهودي بين السابع من أكتوبر/تشرين الأول و29 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، مقارنة بـ4500 كانوا يصلون شهريا في هذا التاريخ، حسب سلطة الهجرة الإسرائيلية.
وعاودت الهجرة من إسرائيل الارتفاع مجددا خلال العام الجاري، غير أن صحيفة "ذا ماركر" الاقتصادية تقول إن دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية لا تكشف عن الأعداد الحقيقية للهجرة العكسية. كما تطرح صحيفة "غلوبس" تساؤلات حول الشفافية في الإحصائيات المعلنة.
وثمة أسباب كثيرة قد تقف وراء الهجرة العكسية التي تزداد في أوقات الحروب والأزمات أو تلك التي تتعلق بغلاء المعيشة والبحث عن فرص عمل خارج إسرائيل فضلا عن حالة الإحباط التي يشعر بها البعض بسبب سياسات حكومة اليمين مما يطرح قضية جدلية حول ما إذا كانت إسرائيل وطنا قوميا لليهود أم إنها مجرد مكان للعيش برفاهية يسهل الرحيل منه مع تقلب الأوضاع.
** بداية مبكرة للهجرة العكسية
لقد بدأت الهجرة العكسية منذ السنوات الأولى لتأسيس إسرائيل بعد النكبة الفلسطينية. ومنذ ذلك الحين وحتى ثمانينيات القرن الماضي، تراوحت أعداد الإسرائيليين الذين غادروا البلاد بين 4 آلاف و20 ألفا في العام الواحد.
وجاءت موجات الهجرة العكسية الكبرى بعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 وفي أعقاب العدوان على لبنان مطلع ثمانينيات القرن الماضي بينما فاق عدد المهاجرين من إسرائيل 500 ألف منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، ويقدر العدد الإجمالي للإسرائيليين الذين غادروا البلاد منذ تأسيس إسرائيل ولم يعودوا إليها بأكثر من 690 ألفا، وفق دائرة الإحصاء الرسمية.
يقول النشيد الوطني لإسرائيل المسمى بـ"الأمل" "إن أفئدة اليهود تخفق وأعينهم ترنو إلى الشرق، إلى صهيون" -أي القدس- لكن يبدو أن هزة السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ربما تجعل من الغرب وجهة لأعداد متزايدة من الإسرائيليين.