يتحسب الأردن بشأن الوضع الإقليمي، وهو يرقب بعين حذرة كل الجبهات، في الوقت الذي تجري فيه اتصالات، أغلبها غير معلن، من أجل استشراف مستقبل هذا الإقليم المحترق.
هذه الأيام تنفتح البصيرة على ملفات مختلفة، من قطاع غزة، وصفقة الأسرى إذا تمت، وما الذي تريده حكومة نتنياهو، وماذا يجري في القدس، ومهددات المسجد الأقصى، والوضع في الضفة الغربية الذي له مع الأقصى حسابات أردنية خاصة جدا، وما يرتبط بملف المواجهات الجارية بين إسرائيل ولبنان، والتصعيد بين إيران وإسرائيل، وتموضع العراق في هذا المجال، إضافة إلى ما يجري دوليا على صعيد الولايات المتحدة الأميركية، والانتخابات الرئاسية، التي ربما يتعمد نتنياهو إطالة الحرب، لعل حليفه في البيت الأبيض يعود إلى الرئاسة بما يعنيه ذلك.
هذا التحسب لم يؤد إلى حالة قلق أكثر من المتوقعة على صعيد مؤسسات القرار، برغم التقييمات التي تتناول مجمل الوضع، لأن هناك مسارات متوازية مع هذه التركيبة، وهي مسارات تعتمد على تشكيل تحالفات داعمة للأردن عربياً وإقليميا واوروبيا، وحتى في الولايات المتحد التي تعبر الانتخابات الرئاسية الحالية، وللأردن نقاط قوته المعتمدة أساسا على الكونغرس، ولا تتأثر كثيرا بالتغيرات فقط في البيت الأبيض، حيث عايش الأردن ترامب لأربع سنوات سابقة، وهو على صلة إيجابية بالرئيس الحالي، والمرشحة الديمقراطية البديلة.
وسط هذه المعادلة ينشغل الأردن أيضا بمعادلته الداخلية، في سياق تخفيف آثار الوضع الإقليمي عليه، ومحاولة استرداد عافيته أيضا، لكن في الوقت ذاته هناك سيناريوهات عدة مطروحة ويتم تجهيز رزمة إجراءات وحلول لكل سيناريو محتمل، خصوصا، مع تصاعد الأخطار وتولد قناعات بأن الحكومة الإسرائيلية تتعمد إطالة الحرب، ولا تريد وقفها حتى الآن، من أجل جر كل المنطقة إلى فخ، قد يكون على إيران تجنبه هنا وعدم الانزلاق بين انيابه، من أجل منع وقوع حرب إقليمية، يتم التخطيط لها، لاعتبارات مختلفة، بما تعنيه هذه الحرب، من كلف واسعة قد لا تحتملها كل المنطقة، بما في ذلك إيران وبقية دول المنطقة.
أمام هذا المشهد بكل تعقيداته المعلنة وغير المعلنة، يقع الأردن وسط موقع جيوسياسي حساس جدا، وهو محاط بالحرائق، فإن لم تأتك النيران وصلتك الأدخنة، ولعل التحدي الأساسي اليوم على الصعيد الداخلي بعد مرور هذه الشهور، تعزيز البنية الداخلية، والتعامل مع استحقاقات مختلفة، من الانتخابات، الى تحسين الوضع الاقتصادي، واسترداد الحياة، وصون الأردن على مستويات داخلية، بما في ذلك تجنب كلف الجبهات المجاورة، خصوصا، سورية وما يتدفق عبر الحدود التي بدأت الاتصالات الأردنية السورية المشتركة بشأنها تحقق نجاحا جزئيا منذ شهرين، وان كانت هذه الحدود ما تزال مفتوحة لجماعات كثيرة، لكل جماعة اجندتها الخاصة بها.
يدرك الأردن جيدا المهددات التي تتدفق عبر الحدود من إسرائيل بما يخص ملفات التهجير، المسجد الأقصى، القدس، والوضع في الضفة الغربية، خصوصا، اننا نسمع كل يومين عن تهديدات إسرائيلية تارة تمس المسجد الأقصى، وتارة تتعلق ببناء جدار عازل على الحدود بين الأردن وفلسطين، وغير ذلك من أنماط، والأردن الذي تتفهم موقفه عواصم متنفذة في العالم، يضع في حساباته كل الاحتمالات، خصوصا، إذا لم تتوقف الحرب هذه الأيام، أو نجح نتنياهو بتمديدها لفترة أطول حتى يتم حسم نتائج الانتخابات الأميركية، لاعتبارات تخصه أولا.
في كل الأحوال يقف الأردن موقفا حساسا بين أخطار اليوم، وأخطار الغد، وتلك الاحتمالات، وفي الوقت ذاته يدرك أن غريزة البقاء لديه أساسية، وهو هنا يحاول توسيط معادلة تحميه داخليا، وفي الوقت نفسه تدرك احتمالات ارتفاع فواتير الإقليم، بما يعنيه ذلك على الجميع.