مهدي مبارك عبد الله - منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي ومع تواصل حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة لم تتوقف ماكنة الدعاية الإسرائيلية عن حملات التحريض المنظمة والشرسة ضد المقاومة الفلسطينية في محاولة يائسة لإنهاء الحالة الثورية وكسر إرادة الفلسطينيين ودفعهم للاستسلام أمام تصاعد الجرائم البشعة التي تطال المدنيين من الاطفال والنساء وكبار السن
ضمن اطار المساعي الاسرائيلية الحثيثة للتضييق علي المقاومة وإحكام الخناق على تحركاتها في الداخل والخارج عمد جيش الاحتلال الى نشر عدة مقاطع مصورة وإحداثيات وخرائط لمناطق سكنية وخدمية ومساجد ومستشفيات ومدارس وغيرها في قطاع غزة باعتبار أنها تضم أو بالقرب منها يوجد معامل لإنتاج الاسلحة ومخازن للصواريخ ومراكز سيطرة وتدريب للجناح العسكرية لحماس بالإضافة الى ملاحقته المستمرة لكوادر المقاومة في الضفة الغربية بالاعتقالات والاغتيالات ولا تزال الأجهزة الأمنية التابعة لجيش الاحتلال ترفع سقف التحريض ضد المقاومة من هلال بتشديد الحصار والإمعان في منع تحركات كوادرها واستهداف قيادتها بطريقة مباشرة أو غير مباشر في غزة والضفة ولبنان واي نكان يصل اليه ذراع الموساد الاسرائيلي
يوم الأحد الماضي 18 / 8 / 2024 لجأ جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى أساليب جديدة لتحريض الفلسطينيين على مقاومتهم مستغلا حاجتهم ومعاناتهم في ظل الحصار المشدد المفروض عليهم بالتزامن مع الحرب المدمرة في القطاع المستمرة منذ 322 يوم حيث ألقت طائرات الاحتلال المسيرة " الكواد كابتر" منشورات ورقية تحريضية فوق خيام النازحين بمنطقة المواصي غرب مدينة خانيونس مكتوب عليها بالعربي ( بدكم دخان ولا قيادات ) وقد ارفق مع كل منشور كيس صغير يحتوي على سيجارتين فقط من نوع " رويال " الاسرائيلي الصنع كما تضمنت منشورات الاحتلال التحريضية صورة تستهزئ برئيس المكتب السياسي لحركة حماس يحيى السنوار مكتوب عليها ( التدخين خطير! ولكن حماس أخطر(
جيش الاحتلال الإسرائيلي ذهب إلى هذا النوع الجديد من المنشورات بعدما فشلت منشوراته السابقة التي كانت على شكل مجلة ورقية باسم " الوقائع " تضمنت جملة توجيهات تحريضية ضد قادة حماس والمقاومين وهي تدعو المواطنين للتعاون مع الاحتلال من أجل التخلص من حكم حماس الذي جلب لهم الموت والدمارومع كل وسيلة تحريضية كان الاحتلال يفشل أمام تمسك الفلسطينيين بأرضهم ومساندتهم للمقاومين في دفاعهم عن وطنهم وتصديهم لجرائم الاحتلال ومجازره المتصاعدة ومؤخرا قام الإعلام الإسرائيلي بمساندة الجيش في التحريض على رد حركة حماس والفصائل الفلسطينية على المقترح الأمريكي الاخير لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى مع إسرائيل والذي اتسم بالمسؤولية والانسجام مع مطالب الشعب الفلسطيني وهو ما يؤكد استمرار سياسة الاحتلال في التهرب من استحقاقات الاتفاق بكل تفاصيله
الإعلام الصهيوني ايضا وبمختلف وسائله وتقنياته لطالما تحول إلى أداة مسمومة في الصراع السياسي والعسكري ومتطوع في خدمة سياسات الحكومة والجيش الاسرائيلي بتجرد تام من أبسط معايير المهنية والحيادية لاعتبارات سياسية وأيديولوجية وتجارية لإرضاء الجمهور الاسرائيلي عبر دعواته العلنية المتكررة لقتل وتجويع الفلسطينيين وهو ما يمثل الإفلاس الحقيقي لخطاب الكراهية الإسرائيلي حيث لم تقتصر الحملات التحريضية على مثل هذه المنشورات الورقية فقد اعتمد الاحتلال العديد من الوسائل الخشنة بالدعوة للانتقام والقتل الجماعي للفلسطينيين وشيطنتهم ووصفهم بالحيوانات كما قال سابقا وزير الدفاع يوآف غالانت وفرض سياسة التجويع في غزة بالإضافة الى بث الخوف الترويع بالنزوح المتكررة للغزيين وفق دائرة لا تنتهي من الموت والتشريد حيث لم يعد هنالك مناطق آمنة في كافة القطاع وذلك بهدف خلق حالة من الارباك وعدم الاستقرار وزيادة معاناة الفلسطينيين والضغط عليهم للتخلي عن المقاومة والمساهمة لا حقا في انتشار الأوبئة والامراض وتفاقم معاناة الأطفال من سوء التغذية بهدف زيادة الضغط النفسي على الاهالي ودقعهم للتذمر والسخط والتمرد على المقاومة كسلطة حاكمة في القطاع ومحاولة افتعال الأزمات من حولها وتأليب الرأي العام ضدها
حملات التحريض الممنهجة التي يسوقها الاحتلال الإسرائيلي طالت أيضا بعض المؤسسات الأممية التي تساهم في إغاثة الفلسطينيين الذين يتعرضون للإبادة الجماعية في محاولة اسرائيلية منظمة لإبعاد المانحين والممولين للمشاريع الخدمية حيث تم في بداية العدوان على غزة توجيه اتهام أجوف لمنظمة الصحة العالمية بما أسموه التواطؤ مع حركة حماس بإعادة الادعاء الكاذب بشأن استخدام الحركة للمستشفيات في أعمال عسكرية إضافة إلى التحريض ضد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين أونروا بهدف قطع التمويل المالي وحرمان الفلسطينيين من حقهم في الخدمات العامة المقدمة من الوكالات الدولية ومحاولة نزع الحاضنة الشعبية عن المقاومة وإيهام الفلسطينيين بأن المقاومة اصبحت عبئ عليهم ولابد من التخلص منها وصولا الى كي وعيهم وتطويعهم واستسلامهم
من المؤسف جدا ان نعلم بان إسرائيل لم تكن وحدها في ادارة معركة التحريض ضد المقاومة الفلسطينية التي كفلتها الشرائع والقوانين الدولية وان بعض الدول العربية والاسلامية المتصهينة انحازت علانية وتماهت وتبنت رواية الاحتلال ودعمت وساندت بقوة الوسائل التي تتبعها اسرائيل في حربها القذرة ضد غزة ومقاومتها وعلى رأسها المشاركة باتهام المقاومة بالإرهاب واعتبار هجومها يوم 7 أكتوبر بانه عدوان همجي واعتداءً على سكان ابرياء عزل بهدف ارضاء امريكا وبعض الدول الغربية على حساب عدالة القضية الفلسطينية وقد اوعز بعض المسؤولون في هذه الدول لذبابهم الالكتروني ووسائل اعلامهم المختلفة ومنصات التواصل الاجتماعي المتنوعة لشن هجمات مكثّفة على المقاومة وشيطنتها وتشويه سمعتها واتهامها بالاختباء بين المدنيين وفي المستشفيات ودور العبادة والمدارس اضافة الى منع المتضامنين مع فلسطين داخل بلادهم من التظاهر والمسيرات واعتقال عدد من النشطاء وبعض ائمة المساجد الداعين لغزة واهلها ورفضها اقامة صلوات الغائب على شهداء غزة وترحيبها بتصفية بعض القادة الميدانيين للمقاومة في غزة وخارجها واظهار النشوة والتشفي باغتيال القائد الراحل اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في ظهران انظروا يا للعجب اين وصل مصابنا ( عرب وصهاينة جنباً الى جنب في التحريض على المقاومة )
وقد ذهب اخرون منهم الى تقديم خدمات مجانية للاحتلال الصهيوني بالمشاركة في إيصال المنتجات والأغذية إلى المستوطنات والأراضي المحتلة بالتزامن مع تفشي المجاعة في قطاع غزة بهدف تجاوز قطع أنصار الله (الحوثيين) لخطوط الإمداد الإسرائيلية عبر البحر الأحمر كما قام بعضهم بتسويق بعض مقاطع الفيديو التي مصدرها منصات الموساد الإسرائيلي في التحريض ضد المقاومة الفلسطينية لبث الفتنة والاختلاف في الرأي العام المحلي الفلسطيني من بينها على سبيل المثال ( منصة يافا ) وهي نافذة إسرائيلية تروج لمقاطع مجتزئة لبعض سكان غزة وتختلق مقاطع أخرى بغرض التحريض العلني على المقاومة ومع توالى نجاحات المقاومـة العسكرية بدءً من 7 أكتوبر وحتى المعارك البرية في تخوم غزة لجأ ذبابهم الالكتروني الى تبنّي روايات الاحتلال وتقزيم وتهميش انتصارات المقاومة ونفي ايقاعها خسائر كبيرة ومؤلمة في قوات جيش الاحتلال وبعد استمرار التفاف أهالي غزة حول المقاومة ورجالها عمدوا مرة أخرى للكذب والتزوير حيث تناقلوا مقطعً كاذبً عن تعامل رجال المقاومة الفظ مع سكان غزة وضربهم بالهروات بينما أظهرت التحقيقات الدقيقة بأن المقطع يعود لتعامل رجال السلطة الفلسطينية مع بعض أهالي الضفة الغربية
الاحتلال الاسرائيلي مارس ولا زال يمارس كل اشكال الترهيب النفسي والاقتصادي والعسكري وكافة اساليب التوحش بالقهر والظلم والاعتداء الجسدي والاعدام خارج القانون وفرض الحصار والعقاب الجماعي وهدم البيوت وتكريس سياسة الاعتقالات والطرد القسري وتشويه صورة المقاومة ضمن الحاضنة الشعبية العربية والإسلامية وعزل الشعب الفلسطيني عن محيطه العربي والإسلامي ليتفرد الاحتلال الصهيوني في قمعه والتنكيل به، وهو ما يعكس حجم الانحدار غير المهني والاخلاقي لبعض وسائل الإعلام العربية وبعدما اصبح التحريض الاسرائيلي على القتل والتهجير سياسة رسمية تصاعدت معه تصريحات قادة الاحتلال السياسيين والدينيين العنصريين التي تدعو للفتك بالفلسطينيين وتهجيرهم وقد اعتبرت هذه التصريحات محفز جدي لارتكاب الجرائم البشعة وفي ذات الوقت لم يتم التنديد بهذه التصريحات التي أبدتها بعض الدول العربية والغربية بعدما ابدت تفهمها للغضب الإسرائيلي وتبني دعاية الاحتلال وهو ما شجع المجرمون على المضي قدما في مزيد الجرائم والانتهاكات بحق الشعب الفلسطيني ورموزه وعناوين نضاله ومقاومته
التصريحات التحريضية المتوالية التي ترد على لسان مسؤولي حكومة الكيان تترجم إصرارًهم ورؤيتهم العدائية الأزلية التي تتجاوز جميع الاتفاقيات والمعاهدات وتشكل التفاف واضح على حق العودة وحق أبناء الشعب العربي الفلسطيني الصامد في الدفاع عن قضيته العادلة بترهيب الجوار المساند للمقاومة ودفعه للاستسلام وامام كل ذلك لا بد من اتخاذ خطوات جادة ورادعة للاحتلال لوقف تعنته واستهدافه وعدوانه وتحريضه المستمر الذي يمثل حالة من التصعيد والتعدي والتكبر المتجدد ومتعدد الصور على فلسطين وجوارها وفي هذا المقام نوجه نداء عاجل إلى كافة أطياف الشعوب الحرة والمناصرة لعدالة القضية الفلسطينية ومؤسسات المجتمع المدني العربي والدولي وقواهما الحية لدعم صمود الشعب الفلسطيني ومقاومته بكافة الوسائل والوقوف في خندق المقاومة لموجهة الأطماع الصهيونية التوسعية المجرمة والإبقاء على الحق العربي الأبدي في أرض فلسطين التاريخية حتى النصر والتحرير الكامل بالتمسك بالمقاومة الفلسطينية كخط دفاع الول في مواجهة المشروع الصهيوني التوسعي الهادف إلى تفكيك المنطقة العربية والاستفراد بالشعب الفلسطيني ومقاومته
في المحصلة الكلية نجد ان جميع الإشاعات والأكاذيب وسياسات التضليل الصهيونية وحملات الكيد للمقاومة لن تنجح في النيل من إرادة الشعب الفلسطيني وأهالي القطاع لآنها لا أساس لها من الصحة والمصداقية وهي تأتي في إطار الحرب النفسية المتواصلة للإضرار بالمقاومة وحاضنتها الشعبية وتأليب الرأي العام عليها وأن استمرار هذه السياسية القذرة سوف يدفع المقاومة للذهاب إلى خطوات تصعيدية اوسع لوقف المماطلة الإسرائيلية ودفع الوسطاء إلى تحركات أكثر جدية لإنهاء الأزمات العالقة منذ عشر شهور
الملاحظ في هذا الوقت ان دويلة الاحتلال تعيش أزمة سياسية عميقة وضائقة أمنية داخلية وخارجية كبيرة مع محور المقاومة في لبنان واليمن والعراق اضافة الى المعارك الدائرة في قطاع غزة وأزمة رئاسة الأركان وقضية اهالي الاسرى والمظاهرات المتصاعدة في الشارع والتي يحاول قادة الاحتلال بغياء ترحيلها إلى الجانب الفلسطيني لإشغالهم عما يواجهون من عدم استقرار داخلي وخوف خارجي والغريب في هذا الشأن ان التحريض حسب العقيدة الاحتلالية يعتبر جريمة واسرائيل اوجدت قوانين تقاضي على أساسها من يمارس التحريض ولهذا من الضروري التوحد لمجابهة الدعاية الإسرائيلية وتفنيدها من خلال المنابر الإعلامية العربية الشريفة والغربية الصديقة وعبر المؤسسات الحقوقية الدولية وجهات الاختصاص وتقديم الدعم للمقاومة والإسناد للشعب الفلسطيني الصامد ورفض التطبيع والانتفاض بوجه ماكنة العنصرية والغطرسة الصهيونية المضللة والكاذبة
كاتب وباحث متخصص في العلوم السياسية
mahdimubarak@gmail.com