زاد الاردن الاخباري -
تلعب الجغرافيا دورًا فاعلًا وحاسمًا في رسم معالم السياسة الأردنية فالحفاظ على الأردن في ظل هذه الفوضى الإقليمية وتجاذبات المشاريع الدولية والاقليمية كالمشروع الإيراني والصهيوني وغياب المشروع العربي، وفي ظل استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة، وتطرف اليمين الصهيوني وسعيه لتحميل دول الطوق العربي فاتورة الحرب، وغياب أفق سياسي لحل القضية الفلسطينية، يقف الأردن اليوم في قلب العاصفة، حيث يحده من الغرب مشروع صهيوني توسعي بحكومة يمينية دينية متطرفة تستمد برنامجها من معتقدات دينية محرَّفة لا تنفك السعي لتهجير غرب الضفة نحو الأردن، ومن الشمال والشرق مشروع إيراني طائفي لا يتوقف عن إبتزاز الأردن والتحرش به، إما من خلال محاولات تهريب المخدرات المستمرة عبر الحدود الشمالية، أو تصريحات سياسية مستفزة، أو كما شاهدنا في أبريل الماضي اختراق الأجواء الأردنية بالمسيرات والصواريخ، أو من خلال حلفائها بالعراق بتحشد كبير على الحدود الأردنية، في ظل هذا كلّه وتزامنه مع استعداد الأردن لإجراء أول انتخابات نيابية بعد التحديث السياسي الذي جاء لسد فجوة الثقة بين الرسمي والشعبي، وقطع الخطوة الأولى في مسيرة التحديث السياسي، والسير خطوة إضافية في طريق التحول الديمقراطي ووضع حجر الأساس لمستقبل الحياة السياسية، يستعد مجلس النواب القادم لتحديات سياسية داخلية وخارجية، تتطلب وعيًا سياسيًا لمخاطر الإقليم وحساسية الداخل الأردني.
وقد جاءت الرسالة واضحة وجلية، مزيلة لأي ضبابية في الرؤية، وعبر رأس الدولة، جلالة الملك وخلال لقاءه، إعلاميين وكتاب منتصف الأسبوع الماضي في قصر الحسينية، بالتأكيد على أن الأردن لن يسمح بأن يكون جزءا من أي مخططات صهيونية، وأن سيادة الأردن على أجوائه أمر مقدس، وحماية الأردنيين ثابت أساسي، في وجه أيٍ كان صهيوني أو إيراني، فسماء الأردن ليست ملعبًا وأمن الأردن ليس شيئا يمكن التفاوض عليه، ومسارات التحديث الثلاثة ماضية بثبات ودون تراجع ، ولن تؤثر أحداث الإقليم وانعكاساتها الداخلية على ثقة الأردن وعزيمته بالاستمرار بمشروع المئوية الثانية من الدولة.
وما نريده اليوم وننتظره هو مجلس نواب مسيس، قادر على ادارة التحديات الداخلية والخارجية التي تعصف بوجه المملكة، مجلس نواب قادر على القيام بدور سياسي أكبر وتشريعي ناشط، قادر على ممارسة مزيد من العقلنة السياسية ، مجلس نواب قادر على إدراك حواف اللعبة السياسية ويجيد ويتقن توظيف الفرص وحتى التحديات فالمرحلة القادمة تتطلب سياسين ثاقبين النظر، وعلى الأحزاب السياسية أن تدعم نوابها وتطور من أداءهم السياسي، بتفعيل المدارس السياسية ودوائر الشؤون السياسية والتي تمثل عقل الأحزاب وتوجه مركبها نحو قرارات ومواقف سياسية رشيدة عبر أوراق العمل التي تتقدم بها بالإضافة إلى تقديرات الموقف والتحليلات الاستقصائية كما من المهم ان تستعين الأحزاب بمراكز الدراسات وتعتمد على نتائج دراساتها وتفعل شراكات استراتيجية مع مخازن التفكير ( think tanks) لتقديم قراءات معمقة للتطورات الإقليمية والمحلية وتطوير الأداء النيابي والرسمي .
تعبر سفينة الدولة بعواصف عاتيّة، وتواجه منعطفات وتحديات جسيمة، يتمثل أولها وأهمها في التحدي الاقتصادي والذي يحتاج إلى البحث عن حلول واقعية لمشاكل متفاقمة مثل ازدياد حجم المديونية وارتفاع معدلات البطالة وتحديات سياسية في ردم فجوة الثقة بين الرسمي والشعبي وتطوير الممارسة الحزبية وإنضاجها واقناع الشباب بضرورة المشاركة السياسية ، والسير خطوة للأمام في مشروع اللامركزية وتطوير أداء مجالس المحافظات والبلديات لإنجاز مشاريع تنمية حقيقية في المحافظات وهنا يجب نشر ثقافة العمل اللامركزي والتأكد من فهم المواطنين والمترشحين لعضوية المجالس المحلية لماهية ودور المجالس المحلية في التنمية.
ولا بد من التذكير والتأكيد على أن التحديث السياسي هو مشروع تحول ديمقراطي وهذا يعني أن الأخطاء جزء من التجربة ومرحلة طبيعية من مراحل الديمقراطية وأن الديمقراطية المنتظرة تبنى على تراكم الأخطاء، وهنا لا أدعو للتمجيد لعثرات التجربة الحالية ولست في تعرض المدافع عنها ولكن أدعو إلى مراجعة الأخطاء والوقوف عند أسبابها ومعالجات نقاط الخلل والبناء على ما تم انجازه والاستمرار به، وبكل تأكيد لا يوجد من هو راضٍ تمام الرضا عن مظهر الديمقراطية التي ظهرنا بها حتى الآن، فمنذ بدء تشكيل الأحزاب وإعادة تصويب أوضاعها والصراعات الداخلية التي نشبت بها، وممارسة محدثين السياسية سياحة حزبية بين الأحزاب، وصولا إلى إدارة الحملات الانتخابية والتي لدينا عليها ملاحظات عديدة لا يتسع المجال لذكرها، ولكن هذا لا يعني بكل تأكيد إطلاق الأحكام على التحديث السياسي بالفشل، والقسوة على الأحزاب وممارسة قوى الشد العكسي هوايتها بجلد الديمقراطية ونشر الكلاشيه المعروف "بأن الديمقراطية لا تصلح في الأردن" فعلينا أن نستعد للتصدي لهذه الحملات والاستمرار بالإيمان بالمشروع وتعزيز حالة الاستقطاب النوعي، فلا زال كثير من الشباب المسيس معتكف عن الأحزاب.
أخيرًا، ينتظر من مجلس النواب القادم، التعامل بهدوء وحكمة سياسية مع التحديات الراهنة، وتطوير الأداء التشريعي والرقابي لمجلس النواب، وتعزيز التواصل مع القواعد الشعبية لبناء ثقة متراكمة وكسر حاجز الصمت بين النائب وقاعدته، وعلى الأحزاب أن تعمل على تطوير أدواتها السياسية لتصبح قادرة على التفاعل مع المتغيرات السياسية بل وصنع السياسة، وتطوير آليات تواصلها مع نوابها وتنشيط الكتل النيابية على الأسس السياسية وليس تكريس التحالفات التقليدية، فما هو قادم يحتاج إلى عمل سياسي جمعي وليس بطولات فردية استعراضية.
م إبراهيم العوران