رغم كل هذا القتام والتردي والسخام، الذي يميز المرحلة، فإن الدلالات رابضة في استمرار الشعب العربي الفلسطيني في مقاومة التوسعية الصهيونية، منذ قرن من الزمان، كما هي رابضة في دلالات ان أول حركة مقاومة مسلحة لشراء الأراضي اليهودية كانت أردنية، أطلقها الشيخ ناجي باشا العزام، وقادها شهيدنا المجاهد كايد المفلح العبيدات عام 1920.
ستنهض بلاد الشام العظيمة، الأمة السورية الجبارة، صانعة مملكة فيصل السورية، وكبرياء ميسلون، وبيارق يوسف العظمة.
هذا التعلق بالأرض، والتملق لكسب ودها ورضاها وعطائها، هو حصري بمن لا يزال يتصل بها، بذلك الحبل السُّري غير القابل للقطع.
الذين يعرفون مكابدة الحصاد وفرحه، هم أولئك الذين تجمعنا بهم وشائجُ الثقافةِ المشتركةِ، والتكوينُ المتماثلُ، والمزاجُ الأخضرُ الموحدُ، وثقافةُ الثّلج ووحول المرج.
هم أولئك الذين يجمعنا بهم إلى الأبدِ، قلقُ انتظارِ الغيثِ، ورجاءُ هطولِه، ورائحةُ الترابِ المحروثِ، وندى العشبِ، ورقصُ «السَّبَلِ» في الحقولِ، وضوعُ «الفريكةِ» الطازجة، وذهبُ القمحِ على البيادرِ، وكرنفالُ «المدارقِ» المطرزةِ، و»الورّاداتُ» المتورداتُ الوجناتِ من تعبِ «القِرَبِ»، وغناءِ الحصاد، وعناء المِذراة، وسعد القطافِ.
والصبايا المتغاوياتُ بقلاداتِ العصملي، والكشكشِ، والضفائرِ المسدلةِ في دبكةِ «الحبل مودَّع».
أولئك الذين تجمعنا بهم خُضرةُ الزيتونِ ورحيقُه. ورِفقُ الفراشاتِ ورقّتُها.
عندنا في بلاد الشام الرحبة، الفواكه التي ذكرها الرحمن في كتبه السماوية: التين والزيتون والعنب والنخل والزبيب والرمان والريحان والزنجبيل واليقطين والخردل والبقل والعدس والقثاء والثوم والبصل.
نحن أهل اللون والتعددية، والتنوع، لا نغرق في أحادية اللون، ولا نُغمض عمّا فيه من ثراء وسخاء، نعكسه على ألبستنا، وعلى سلوكنا، وعلى خياراتنا، وعلى حياتنا.
نحن أهل المدارق المطرزة بالألوان الثلاثة الاساسية، التي تنعكس أطيافها على وجنات وضفائر الصبايا، وهن يتهيأن للحناء، وليلة الأحلام الغامضة.
نحن الآدوميون والكنعانيون والمؤابيون والأنباط والفنيقيون.
نحن الذين ذرع الرسل والأنبياء بوادينا وتلالنا ودروبنا وجلجلاتنا وزرعوا فيها الهدى والنور والبركة.
نحن الذين صنعنا الحروف الأبجدية وسرينا بها الى العالم.
نحن حماة الأقصى والصخرة والمهد والقيامة والحرم الإبراهيمي.
نحن أحفاد ميشع الذين هزموا العبرانيين على سفوح مادبا وذيبان. والذين كسروهم في الصدع والاخدود، على مشارف البلقاء.
ستنهض بلادي الجبارة كالعنقاء، وستظل مدائن القدس وبيروت ودمشق وعمان، أربع منارات حرية وكرامة ومجد.