اذا سألت اي مواطن عن مبنى مقام من الحجر الابيض ويحيط به اسوار عاليه من الحجر الابيض وتعلوا اسواره حجاره تركت بينها فراغات تشبه فراغات أسوار القلاع وفي قمة المبنى توجد كذلك نفس تصميم الحجارة التي على الأسوار ، سيقول لك هذه المواطن أن هذه المبنى هو تابع لأحد الادارات الامنية سواء الشرطة أو المخابرات .
وهذه المقدمة كان لابد منها لطرح مشكلة هذا النمط من الطرح الاجتماعي بين المواطنين ، ففي الدراسات الاعلامية هناك مصطلحان أحدهما يعبر عن مفهوم الصورة الذهنية والأخر يعبر عن مفهوم الصورة النمطية ، وكلا المفهومين يتم تناولها كأطر نظرية في دراسة صورة مؤسسات أو شعوب أو أشخاص لدى الأخرين وخصوصا عند تناول صورة شعوب لدى شعوب أخرى .
ومن طبيعة الصورة النمطية أنها تبنى وتتشكل على مدار فترات زمنية طويلة جدا وتكون بحاجة لبذل جهود كبيرة جدا لمحاولة تغييرها من الصورة النمطية السلبية الى الصورة النمطية الايجابية ، وتقوم الدول والأمم ببذل الغالي والنفيس من أموال وحملات دعائية من أجل تغيير هذه الصورة النمطية وقد تضطر هذه الدولة الى كسر الكثير من المحرمات في حياتنا السياسية من أجل الحصول على صورة نمطية جديدة تأخذ الجانب الايجابي من تصور غيرها من الأمم عنها ، مثال ذلك قيام الولايات المتحدة الأمريكية بإنجاح رجل أسود من أصول افريقية مسلمة كرئيس لها بعد حملتها على العالم العربي والاسلامي .
والصورة الذهنية هي حالة قابلة للتغيير لأنها تتشكل على مدار فترات زمنية قصيرة وفي الامكان إعادة تشكيلها نحو الصورة الذهنية الايجابية بسهولة ويسر من خلال بذل جهود دعائية بسيطة ، والجانب الذي يعنينا هنا أن أجهزتنا الأمنية وطوال سنوات قليلة ماضية حاولت كل جهدها أن تقوم بتغيير الصورة النمطية التي تشكلت لدى المواطنين عنها من حيث أنها أجهزة قمعية تمارس القوة قبل التفكير وتحاول دائما أن توجه الامور الى أخطاء بشرية من قبل أفرادها أو من قبل المواطن نفسه ، واستخدمت الكثير من المصطلحات في التعبير عن علاقتها مع المواطن من مثل أن الشرطة في خدمة الشعب أو أنها تمارس الأمن الناعم ، وربما قامت هذه المؤسسات بإنفاق المبالغ الكبيرة على حملات دعائية مقصودة أو غير مقصودة ومحاول إنشاء علاقات حميدة وجيدة مع مؤسسات المجتمع المدني والمدارس بهدف تغيير الصورة الذهنية السلبية لدى المجتمع عن هذه الاجهزة الأمنية .
ولكن كل هذه الجهود تذهب هدرا لأن مجرد دخول أي مواطن لأي من مباني هذه الاجهزة يمثل حالة من الرعب والرفض الباطني لديه عن حسن التعامل الذي يتم التسويق له من خلال هذه الأجهزة ، فهذا المواطن مجرد أن يشاهد هذه القلاع المحاطة بالاسوار العالية والابراج ووقوف الناس طوابير أمام ابوابها يعيده الى صورة نمطية سلبية عن هذه الأجهزة وطبيعة علاقتها معه ، وربما يعود ذلك إلى أن العقلية الهندسية التي قامت على هندسة العمارة الخارجية لهذه الأجهزة هي عقلية قمعية ولم تستطع أن تخرج منها وهي عقلية لم تعلم أن هناك علاقة قوية ما بين تصميم البناء الخارجي وبين الصورة التي يأخذها المشاهد له عن طبيعة عمل هذا البناء من الداخل كمؤسسة . وكي لانطيل هنا ولنضع الاصبع على الجرح أجد أن اجهزتنا الأمنية وبوجود هذه العقلية اعتبرت وجود اقسام العلاقات العامة والاعلام بها مجرد ديكور يستخدم لضرورة القرن الواحد والعشرين ، ولم تستفد من أفراد هذه الاقسام بعمل دراسات تربط ما بين وجود هذه الصورة الذهنية أو النمطية السلبية عنها لدى الجمهوروعلاقتها معه ، وفي نفس الوقت تناست هذه الاجهزة أن الانطباع الأول للفرد عن أي شيء يمثل بداية لتشكيل صورة عن هذا الشيء في ذهنه وأول ما يشاهد هذا المواطن من هذه الأجهزة الامنية هو مبانيها التي هي تتشابه مع مباني القلاع من القرون الوسطى؟؟