زاد الاردن الاخباري -
ما تزال المخاوف تتصاعد من التوجه لنقل القرار في تحديد الحالات التي تعد فصلا من العمل والحقوق والمستحقات التي تترتب على ذلك، إلى نظام يصدر عن مجلس الوزراء، بدلا من تولي القانون نفسه ذلك، خشية أن يمنح هذا النقل الشركات صلاحيات واسعة في فصل عمالها.
يذكر أن قرارات فصل العمال تعالجها المادة 31 من قانون العمل، وأما تفويض رئاسة الوزراء بهذا الأمر فيأتي تحت ذريعة "زيادة المرونة في سوق العمل".
وبين خبراء عماليون، في حديث لـ"الغد"، أن من شأن هذا القرار أن يخل بالنظام التشريعي.
وفي هذا الشأن، قال مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية أحمد عوض، إن التعديلات على المادة 31 تنطوي على تراجع في حقوق العاملين.
وبين عوض أنه في القانون الحالي المعمول به، إذا أرادت أي شركة إجراء إعادة هيكلة تتطلب فصل عمال، فعليها أن تحصل على موافقة مسبقة من وزارة العمل، وبدورها تشكل الوزارة لجنة خاصة لدراسة الموضوع قبل الموافقة عليه.
ولكن، بحسب عوض، فإن التعديل يعطي الشركة الحق بإجراء إعادة هيكلة والاستغناء عن 15 بالمائة من العاملين لديها من غير مراجعة الوزارة.
وبين أن هذا التعديل يعني أنه إذا كانت النسبة أكثر من 15 بالمائة فيجب الحصول على موافقة، وفي حال تكرر هذا الموضوع في السنة ذاتها فستحصل أيضا على موافقة.
وقال: "في تقديري أن هذا الأمر سيفتح مجالا كبيرا أمام القطاع الخاص للاستغناء عن العاملين، ومن شأنه أن يزيد معدلات البطالة".
وبين أن الأثر السلبي لهذا التعديل يعكس أيضا على تشجيع الموظفين على التقاعد المبكر، ومن شأنه أن يضر بمصالح المواطنين.
وأضاف: "للأسف، فإن هذه التعديلات تأتي في سياق العديد من التعديلات السلبية على قانون العمل، من أجل إعطاء مزيد من المرونة للقطاع الخاص لتحفيز الاقتصاد الوطني".
وبين أن تحفيز القطاع الخاص لزيادة الاستثمارات يأتي من خلال زيادة الحوافز الضريبية والجمركية وتخفيف البيروقراطية لا عن طريق فصل الموظفين.
واعتبر أن هذه التعديلات تعد تراجعا، مناشدا المنظمات النقابية ومنظمات المجتمع المدني والبرلمان المقبل عدم تمريرها نظرا لتأثيرها السلبي على حقوق العاملين.
من جانبه، قال مدير المركز الأردني لحقوق العمل "بيت العمال"، حمادة أبو نجمة "إن تعديل المادة 31 من قانون العمل المتعلقة بموضوع فصل العامل جاء تحت ستار سياسات تعزيز مرونة سوق العمل".
وأوضح أبو نجمة أن مرونة سوق العمل تمنح الشركات صلاحيات واسعة في اتخاذ القرارات المتعلقة بتعيين العاملين وفصلهم وتحديد ظروف عملهم بأقل ما يمكن من قيود تشريعية.
وأشار إلى أن "الهدف الظاهر من ذلك أنه يسهم في انخفاض معدلات البطالة وارتفاع الناتج المحلي الإجمالي، نتيجة تخفيف كلف العمالة وتعويضاتها على أصحاب العمل، لكن من شأن ذلك أن يتسبب بزيادة الوظائف المؤقتة غير المستقرة وانخفاض الدخل وانقطاعه المتكرر عن العدد الأكبر من العاملين، وبتوترات في علاقات العمل، ما ينعكس سلبا على الإنتاجية وعلى الاقتصاد والأمن المجتمعي".
وكان صندوق النقد الدولي أشار إلى أن وتيرة النمو الاقتصادي "المتواضعة" في الأردن؛ التي تتراوح سنويا بين 2-3 % "ليست كافية" لإحداث تغيير ملموس.
وصرح الصندوق، في بداية العام الحالي، أن ترتيبا جديدا سيتم بناء على طلب الحكومة بتجديد الاتفاق المبرم مع الصندوق لمدة أربع سنوات جديدة، وسيركز على تسريع الإصلاحات الهيكلية لتحقيق نمو أقوى وخلق فرص العمل، وذلك من خلال عدد من الإصلاحات، منها مرونة سوق العمل، وتحسين بيئة الأعمال، والإدارة العامة.
إلى ذلك، بين أبو نجمة أن مشروع تعديلات قانون العمل تضمن إحالة صلاحية تحديد الحالات التي تعد فصلا من العمل والحقوق والمستحقات التي تترتب على ذلك إلى نظام يصدر عن مجلس الوزراء، وذلك كبديل للوضع الحالي الذي يتولى فيه القانون نفسه تحديد قواعدها بشكل عام ومن ثم يتولى القضاء تطبيقها وتفسيرها والحكم بناء عليها، كما هو معمول به في مختلف دول العالم، حيث تكونت لدى القضاء المحلي والمقارن على مدى سنوات طويلة ذخيرة كبيرة من القواعد الراسخة لمثل هذه الأحكام التي تشمل مختلف الحالات التي لا يمكن للتشريع نفسه أن يحتويها بتفاصيلها كاملة سواء في قانون أو نظام.
وقال "إن تدخل السلطة التنفيذية في هذا الموضوع بهذا الشكل سيخل بالتوازن الدقيق المفترض بين كل من الدور التشريعي والدور القضائي والدور الإداري في تنظيم علاقات العمل".
وأضاف "أن ذلك يعد تجاوزاً لصلاحيات السلطة التنفيذية، وتعديا على صلاحيات السلطتين التشريعية والقضائية، فهو ينزع صلاحياتهما في هذا الشأن ويضعهما في يد السلطة التنفيذية بصلاحيات تقديرية واسعة ستخضع لضغوطات قوى مؤثرة باتجاه توسيع نطاق حالات الفصل من العمل وجعلها بيد صاحب العمل".
وحذر من أن ذلك سيؤدي إلى تقويض استقرار التشريع، والتضارب في المصالح، حيث سيكون لأصحاب العمل تأثير كبير في صياغة بنود النظام، وإلى عدم الاستقرار التشريعي، والتعارض مع الاجتهاد القضائي في قضايا العمل، والذي تطور على مدى سنوات طويلة، وإلى صعوبات في التطبيق، وإلى تغيير متكرر في القواعد لتلبية مصالح أصحاب العمل، ما يخلق بيئة من عدم الاستقرار التشريعي، وعدم اليقين بالنسبة للعمال والمزيد من النزاعات.
وأكد أن تسهيل إنهاء الخدمات، له آثار جانبية قد تمتد لتشمل الاقتصاد والمجتمع ككل، فمن الجانب الاقتصادي سيتسبب ذلك بزيادة معدلات الفصل، ما يؤدي لزيادة عدم الاستقرار في سوق العمل، وزيادة معدلات البطالة، والتشجيع على العمل المؤقت، وبالتالي التأثير على الاستهلاك والنمو الاقتصادي.
ورأى أبو نجمة أن تعديل تلك المادة سيزيد من التكاليف الاقتصادية الكلية بسبب زيادة معدلات البطالة وتراجع الإنتاجية، وكذلك تراجع الاستثمار في رأس المال البشري، فالشركات التي تملك صلاحية فصل العاملين بسهولة ستكون أقل حماسة للاستثمار في تدريب وتطوير موظفيها، وسيؤدي المناخ غير المستقر في العمل إلى تراجع الابتكار والإبداع، ما يؤثر سلباً على الإنتاجية وجودة القوى العاملة على المدى الطويل.
وأما من الناحية الاجتماعية، فبين أبو نجمة أن التعديل سيؤدي ذلك إلى زيادة التوتر الاجتماعي وعدم الاستقرار، وتراجع الالتزام الوظيفي، حيث سيشعر الموظفون بأنهم مجرد أرقام وليسوا جزءا من فريق، وإلى ضعف التماسك الاجتماعي، حيث يصبح الأفراد أكثر انشغالاً بمحاولة الحفاظ على وظائفهم على حساب الجوانب الاجتماعية الأخرى.