مهدي مبارك عبد الله - منذ الايام الاولى للعدوان النازي والهمجي على قطاع غزة قبل نحو عشرة أشهر يحاول المسؤولون الإسرائيليون في الحكومة والجيش رسم معالم مسار اليوم التالي لوقف القتال لإدارة القطاع يقوم على التعاون مع بعض العشائر المحلية ذات النفوذ الشعبي القوي حيث عقدت أطراف دولية بتوجيه إسرائيلي 12 اجتماع مع مخاتير وعشائر في غزة في بداية نيسان الماضي كان آخرها في ديوان ( عائلة شحيبر ) في حي الصبرة الا ان رهان الاحتلال على انقلاب عشائر غزة على المقاومة كان فاشلا وخاسرا حيث لم تجد تلك الأطراف عائلة فلسطينية واحدة توافق على التعامل او الجلوس مع أي جهة إسرائيلية وان جميع أفراد العشائر الغزاوية الوطنيون الاحرار والشرفاء يقفون خلف فصائل المقاومة بالدعم والتأييد وانهم مستعدون لتقديم اغلى التضحيات للدفاع عن ارضهم وشعبهم واعتبارهم مسالة ادارة غزة بعد الحرب شأن فلسطيني داخلي وهو ما عبر عنه بصراحة ووضوح اكثر من مرة ( أبو سلمان المغني ) رئيس اللجنة العليا لعشائر غزة
خطة الإدارة المدنية الاسرائيلية بدأت في الجزء الشمالي من القطاع من خلال أطراف ومؤسسات دولية لإيجاد بديل للحكومة التي تقودها حركة حماس حيث كانت اهم ركائزها الأساسية رفض تولى حماس المسؤولية بعد الحرب وعدم الرغبة في مشاركة السلطة الفلسطينية في أي دور والعمل على تشكيل إدارة مدنية بديلة تضم جهات فلسطينية محلية لا تكون جزءاً من هياكل السلطة الفلسطينية القائمة مستعدة للعمل مع إسرائيل اضافة الى جلب قوة أمنية من الخارج للحفاظ على النظام والسعي للحصول على مساعدات دولية لإعادة الإعمار والبحث عن تسوية سلمية طويلة الأجل لكن العديد من رؤساء العشائر المحلية الكبيرة رفضوا كليا المشاركة في هذه الألاعيب الاسرائيلية وبعض الدول العربية التي تحتاج إسرائيل إلى دعمها في هذا الشأن اعلنت إنها لن تتدخل في الترتيبات ما لم توافق إسرائيل على جدول زمني واضح لإقامة دولة فلسطينية ولهذا قد لا يكون أمام نتنياهو خيار سوى تسليم مهمة الأمن لسلطة رام الله
للحقيقة لا بد ان نشير الى ان هنالك بعض العائلات في غزة ترتبط تاريخيا بعلاقات تجسس وعمالة مع الاحتلال الا انها رفضت الانغماس في هذا المشروع خشية وعيد وتهديد فصائل المقاومة بالرد المميت لأي عشيرة أو جهة ترتضي تنفذ أي مخططات عدوانية للاحتلال حيث تفرض حركة حماس واجهزتها وشرطتها وأفرادها سيطرتهم العلنية على اجزاء واسعة من القطاع وفعليا لا يوجد فراغ في غزة وحماس لا تزال القوة الأبرز والاحتلال في كل يوم يبحث جاهدا عن عشائر وعائلات محلية وافراد للعمل معه بعدما سقطت على ارض الواقع كل الاطروحات المضادة للمقاومة ولم تجد إلا الصدود
طبيعة قطاع غزة الديموغرافية ليست منطقة عشائرية بالمفهوم القبلي والأغلبية السكانية لا تنتمي لعشائر وأن مراكز القوى لا تقوم على العشائر بل تعتمد على الفصائل الوطنية ولهذا فإن هذا الخيار الاسرائيلي لن يكون ناجحً رغم وجود عشرات من العائلات الغزاوية صاحبة النفوذ المنظم وكثير منها ليس لها روابط رسمية بحركة حماس وتستمد قوتها بالسيطرة على النشاط الاقتصادي والزراعي والرعوي والاستيراد وتتمتع بولاء مئات أو آلاف من الأقارب ولكل عائلة زعيم يلقب بالمختار او الشيخ وفي عام 2007 بعد سيطرة حماس على الحكم قلّصت من قوة العشائر لكن بعضها بقيت تحتفظ بدرجة عالية من الاستقلالية ورغم ان حماس تدرك أنها من غير المرجح أن تحكم غزة بعد الحرب لكنها تتوقع الاحتفاظ بنفوذها
الخطوة الإسرائيلية ( المؤامرة الفاشلة ) تهدف وفق قواعد لعبة جديدة إلى تفتيت المجتمع الغزي وإعادة نفوذ بعض العائلات المشبوهة في القطاع وبث الفلتان الأمني والعودة الى النزاعات العائلية المسلحة ما قد يؤدي إلى حالة من الفوضى داخل المجتمع الفلسطيني وهو ما نجحت حماس عبر السنوات الاخيرة في القضاء عليه بالتنسيق مع المخاتير والأعيان واللجان المجتمعية
من اكثر المواقف المشرفة في الرفض الكامل لمخططات الاحتلال الرامية لضرب الجبهة الداخلية الفلسطينية تصدر بيان تجمع القبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية بغزة الذي أكد على إن القبائل ليست بديلا عن أي نظام سياسي فلسطيني بل هي مكون من المكونات الوطنية وداعم للمقاومة ولحماية الجبهة الداخلية في مواجهة إسرائيل كما طالب التجمع بضرورة تعزيز المشاركة الوطنية في صناعة القرار الوطني عبر مؤسسات الشعب وإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطني في البلاد وشدد على حُرمة التعاطي مع العدو الصهيوني في إعادة تدوير نظام روابط القرى أو إنشاء صحوات عشائرية تخدم المحتل الغاصب وإن كل من يشارك في ذلك سيعامل معاملة الاحتلال ويعتبر عميل وخائن
روابط القُرى مجموعة تشكيلات إدارية أنشأتها إسرائيل في 1978 رئاسة المدعو مصطفى دودين وحاولت اسرائيل من خلالها خلق قيادة فلسطينية بديلة عن منظمة التحرير الفلسطينية لكي تكون قادرة على المشاركة في مفاوضات الحكم الذاتي وتنفيذ خُطة الإدارة المدنية الإسرائيلية ولكنها لم تنجح آنذاك
القبائل والعشائر الفلسطينية الابية في غزة لا زالت تعلن يوميا انها مع المقاومة ونرفض مشاريع الاحتلال حول إدارة القطاع وان حديث بعض قادة الاحتلال حول تولي العشائر إدارة الحياة المدنية في غزة كلام مثير للسخرية لن يتعاطى معه إلا من يدور في فلك الاحتلال وأذنابه وهو مرفوض جملة وتفصيلًا وأن القبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية لن تكون إلا صمام أمان للشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة وهي ندعو الجماهير والوجهاء والمخاتير والأعيان في غزة للاستمرار بحماية ظهر المقاومة وتأمين الجبهة الداخلية كما توجه التحية الثورية لأبطال المقاومة التي قادت معركة طوفان الأقصى بكل براعة واقتدار وصنعت تحولًا استراتيجيًا على مستوى القضية الفلسطينية والعالم بأسره
في ذات السياق اثبتت عشائر غزة عمليا بان المقاومة ستبقى الضمانة الوحيد لمستقبل غزة والبيئة الحاضنة لأبنائها وكل محاولات الاحتلال لزعزعة الأمن والاستقرار ستبوء بالفشل وأن توجه إسرائيل نحو هذا الخيار البائس يعكس أزمتها الداخلية المتفاقمة ويغززعدم رغبتها في بقاء حكم حماس خشية تكرار عملية طوفان الأقصى في المقابل سرت في ذلك الوقت ادعاءات إسرائيلية بأن مدير المخابرات الفلسطينية ماجد فرج شكل قوة مسلحة من عشائر لا تؤيد حركة حماس بغرض توزيع المساعدات في جنوب وشمال القطاع وأداء دور بديل لحركة حماس وقد زعمت هيئة البث الاعلامي الاسرائيلية أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت اقترح تولي فرج إدارة قطاع غزة مؤقتا بعد انتهاء الحرب
الموقف المسؤول والاصيل لعائلات وعشائر غزة التي رفضت بحسم التجاوب مع مخططات الاحتلال الخبيثة ودعمها للمقاومة والحكومة وأجهزتها الشرطية والأمنية ورفضها محاولات الاحتلال العبث بالصف الوطني وخلق هياكل شاذة وغريبة يثبت تماسك المجتمع الفلسطيني على قلب واحد والتفافه حول خيار المقاومة والوحدة الوطنية كما يؤكد الدور المحوري الوطني الذي تلعبه العائلات والعشائر كصمام أمان للجبهة الداخلية وحماية ظهر المقاومة في التصدي بكل بسالة للعدوان الوحشي الصهيوني
منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي تشن إسرائيل حربا مدمرة على قطاع غزة خلفت عشرات آلاف الضحايا والمصابين معظمهم أطفال ونساء فضلا عن الدمار الهائل في البنية التحتية والكارثة الإنسانية غير مسبوقة الأمر الذي أدى إلى مثول إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهم ارتكاب إبادة جماعية من هنا فأننا ندعو الشعوب العربية والإسلامية وأحرار العالم للتحرك الفوري والانتفاض والنفير العام في وجه الاحتلال الصهيوني ومصالحه وسفاراته وداعميه لوقف مشاريع تصفية القضية الفلسطينية وإفشال مشاريع التهجير ووقف العدوان وحرب الإبادة الجماعية على غزة وإنقاذها من الكوارث الإنسانية المحدقة بها
من جديد نؤكد لكل الذين يراهنون على احداث شرخ بين المقاومة وحاضنتها الشعبية وللمطالبين بتهجير ابناء غزة انهم لن يغادروا وطنهم مهما بلغت التضحيات وإن كل ثمن يقدمونه لأجل فلسطين هو رخيص في سبيل هذه الأرض المقدسة وانهم سيبقون السند والظهير للمقاومة في ضرب الاحتلال في كل مكان حتى يرضخ لشروط المقاومة ويخرج من غزة ذليلًا صاغرًا يجر أذيال الهزيمة والخزي والعار بعدما فشل في انتزاع أي إنجاز عسكري أو أمني على الأرض حيث يستغل الازمة الانسانية وحرب التجويع ومنع المساعدات لإحداث الفوضى داخل القطاع وضرب الحاضنة الشعبية للمقاومة
اخيرا نقول لغزة العزة الف تحية وسلام فانتم الأحياء والباقون رغم كل هذا الألم والدمار الكبير الذي لم يرحم صغير ولا كبير ولا شجر ولا حجر واننا على يقين ان غزة كعادتها ستخرج بصمود أبنائها منتصرة لك الله يا غزة فنحن العرب بحكامنا وقادتنا اعجز واجبن ان نكون معك
كاتب وباحث متخصص في العلوم السياسية
mahdimubarak@gmail.com