ما من نخوة ولا شهامة، ليس من إيثار ولا فداء أكثر ممن يعرفون بالعالم كله بالمستجيبين الأوائل «فيرست رسبوندرز». هم ليسوا فقط رجال الأمن والشرطة والإطفاء والإنقاذ والإسعاف بل كل من تصدى لحمل أمانة المسؤولية التي قد يتوقف عليه أكبر مما هو مصير فرد أو جماعة، مصير وطن وأمة. إن كان الصدق والإخلاص هو الدافع للمبادرة والمحفز على المثابرة، فإن التصدي للعمل العام أو الخدمة العامة ومنها العمل البرلماني، يتطلب تلك الروح التي يعلي الناس من قدرها بما يعززه الأداء النيابي بعد الحصول على ثقة الناخبين في تمثيلهم تحت القبة.
لكن حتى أولئك المستجيبين الأوائل لنداء الواجب، يرفعون شعار «ساعد نفسك حتى أتمكن من مساعدتك (خدمتك)»، يقولها المسعفون في الميدان وأقسام الطوارئ بالمستشفيات. المسؤولية أولا وآخرا تقع على عاتق المستفيد والمتضرر الأول من منح تلك الثقة التي وجب أن تكون مشروطة كما هي موقوتة، مبرمجة لأربع سنوات مثلا.
العون قبل «المون». حتى يكون بإمكان النائب الذي ينوب عن ناخبيه تقديم العون المطلوب لناخبيه، ولزملائه في السلطتين التنفيذية وحتى القضائية -فكلنا فريق وطني واحد، ندين بالولاء لسيدنا حامي وراعي السلطات الثلاث- من الواجب، لنقل من المأمول أن يمدّ الجميع يد العون للنائب -خاصة المستجد- حتى تكون له من المؤونة ما تمكنه من ممارسة «المهام الموكولة إليه بأمانة».
أخذتني دروب الحياة الشخصية والمهنية إلى التعرف عن قرب على مجموعة من ذلك «المدد» الذي يمد شخصيات في واجهة الأحداث بأسباب المعرفة والقوة والقدرة على التعامل مع الصحافة على وجه الخصوص. في نهاية المطاف الكل ينتظر تقييما ما على الأداء من الجمهور المستهدف، وهو في هذه الحالة ليس الناخبين فقط بل المستهلكون (دافعو الضرائب)، فكل شيء سيتم صرفه من «عبّه» -من جيبه- وهو مبتسم!
وكما يقال «ما كان أوله شرط آخره رضى». العلاقة بين المرشح والناخب، كأي علاقة، علاقة اجتماعية قبل أن تكون سياسية، علاقة تقوم على الثقة ولا يبنيها إلا الصدق مع الذات قبل الصدق مع الآخر. من المفيد -بحضور المناسف والكنافة أو غيابها- من المفيد والمهم للغاية، التوافق على ما يرقى إلى صيغة «العقد الاجتماعي» بين الناخب والمرشح. حتى لا تكون خيبات أمل، من الضروري الوضوح في الحديث عن التوقعات. والأهم هو التفريق بين الاحتياجات والرغبات والأمنيات في لغة واضحة مباشرة لا تكون كما الأحجية ولا كالقصيدة التي تحكمها القوافي إلى حد كسر قواعد الإعراب والنحو والصرف. بعض الوعود لا سبيل إلى صرفها حتى لو شكّل الناخب بنفسه وزارة اقتصرت عضويتها على أفراد أسرته، لا حزبه أو عشيرته أو جماعته!