في تقديرنا كإنسانيين، فإن انتظار الإسرائيليين يطول، والفرصة التي منحها الشعب الإسرائيلي لبنيامين نتنياهو تحتاج إلى فرصة أخرى ، ومع ذلك، فإن هذا الانتظار يبدو غير مضمون، حيث أن التآكل السياسي قد استهلك كل الخيارات المتاحة ، والتجربة الدموية في الأشهر الماضية في غزة كانت مريرة بما يكفي ليدرك الجميع أن الزمن المضاف لنتنياهو في الساحة السياسية لن يستمر طويلاً ، و ما نشهده الآن ما هو إلا " تعويم سياسي " مؤقت لشخصية انتهى دورها، وسط مشهد سياسي معقد وبدائل تبدو محالة، حيث أن شخصيات الظل التي تنتظر دورها ، مع انها حقيقة لا تعدو عن كونها دمى تتحرك وفق إيقاعات الآخرين ، والعجيب أن
هناك من يراهن على أن نتنياهو، الذي سقط في فخ الحرب على غزة من خلال الاعتماد على الدعم الداخلي الإسرائيلي المتأكل ،وعلى الخارج الأمريكي المنتهية صلاحيته ، في الوقت الذي نجده غير مقتنع فيه بأن هناك إنقلابا عليه من كلا الطرفين ، والنتيجة أنه ظل عالقًا بين هذين الوهمين حتى النهاية ، وإنتظار سقوطه الحتمي الذي يبدو مرتبطًا بتهور استنفد من خلاله آخر ما تبقى له من فرص ، و هذه اللحظات الحاسمة تأتي مع تصاعد غير مسبوق في الاحتجاجات داخل إسرائيل، التي بلغت ذروتها مساء الأحد الماضي حين خرج أكثر من 700 ألف متظاهر إلى الشوارع مطالبين بتحرير الرهائن المحتجزين لدى حركة حماس بشكل فوري ، لدرجة يمكننا القول أن احتجاجات الأحد ، كانت عبارة عن انفجار للغضب الشعبي الإسرائيلي ، وها هي التظاهرات التي اجتاحت المدن الإسرائيلية لم تكن مجرد مظاهرات عابرة ، بل جاءت كصرخة احتجاج عميقة من الشارع الإسرائيلي الذي لم يعد يثق في حكومته ، التي تواصل العمليات العسكرية في غزة دون تحقيق نتائج ملموسة، في ظل ازدياد عدد الخسائر البشرية في صفوف الجيش، مما دفع الإسرائيليين إلى المطالبة بإنهاء الحرب والتفاوض مع حماس للإفراج عن الرهائن ، ومع تصاعد الغضب الشعبي، برزت الأسئلة حول قدرة نتنياهو على إدارة هذه الأزمة المعقدة ، وبحسب
الخبير في العلاقات الدولية والأمن القومي، سيمون تسيبيس، يرى أن إسرائيل وصلت إلى نقطة حرجة من التوتر، حيث أصبح الشارع غير قادر على تحمل المزيد من الخسائر الكارثية والوعود الزائفة ، وقد غدا نتنياهو بين المطرقة والسندان ، حيث يقف اليوم في مفترق طرق خطير ، و الضغوط الداخلية تتزايد مع كل يوم يمضي دون حل، في حين أن الخيار العسكري لم يعد مجديًا من الناحية التكتيكية ، و على الجانب الآخر، فإن التفكير في التفاوض مع حماس لتحرير الرهائن قد يعرضه للمساءلة السياسية ويساهم في زعزعة حكومته ، ما يعني أنه يراهن على عامل الوقت، ويحاول تأجيل اتخاذ قرارات حاسمة ، ومع ذلك، يرى بعض المراقبين أن هذا التأخير قد يؤدي إلى تفاقم الأمور، وربما يلجأ نتنياهو إلى تصعيد عسكري مع جهات خارجية مثل حزب الله أو إيران، بهدف صرف انتباه الرأي العام وتعزيز الوحدة الوطنية خلف حكومته ، إلا أن
الرهائن تبقى مفتاح الأزمة أو القشة التي قصمت ظهر نتنياهو ، سيما وأن
قضية الرهائن تشكل إحدى أكثر الأوراق حساسية في الصراع الحالي ، و كلما طالت مدة احتجازهم، ازداد الغضب الشعبي واشتدت الضغوط على نتنياهو ، ولعل احتجاجات الأحد الماضي كانت نتيجة مباشرة لعجز الحكومة عن إيجاد حل لهذه الأزمة ، ومع تزايد هذا الضغط، يتوقع البعض أن يؤدي الفشل في التعامل مع هذه القضية إلى انحدار سريع للحكومة الحالية ، والسؤال الملح في هذا السياق يتمظهر حول ،
ما هو المستقبل السياسي لنتنياهو؟!!
وفي ظل هذه الأزمة المعقدة، يبدو أن نتنياهو قد فقد السيطرة على الأوضاع ، و الخيارات أمامه أصبحت محدودة، سواء في الداخل أو في الخارج ، فضلاً عن أن تجاهله لمطالب الشارع قد يؤدي إلى تصعيد الاحتجاجات وزيادة الضغط من داخل الجيش والأوساط السياسية ، و في المقابل، إذا قرر التفاوض مع حماس، فإن ذلك قد يؤدي إلى زعزعة حكومته وربما الإطاحة به من منصبه ، بالتالي لم يتبقى إلا اللعب على الوقت الذي قد يمنحه بعض الفرص المؤقتة، ولكنه في النهاية لا يستطيع تجنب اتخاذ قرار حاسم ، علماً ، بأن أي تصعيد عسكري خارجي قد يكون له تداعيات كارثية على إسرائيل والمنطقة بأسرها ، وخلاصة القول أن ما شهدته إسرائيل مساء الأحد الماضي من احتجاجات لم يكن حدثًا عابرًا، بل هو تعبير عن أزمة سياسية وأمنية عميقة تواجه البلاد ، و نتنياهو يقف اليوم أمام اختبار حاسم قد يحدد مستقبله السياسي ومستقبل إسرائيل ككل ، و الخيارات أمامه ضيقة وخطرة، وأي قرار يتخذه في الأيام المقبلة سيكون له تأثيرات بعيدة المدى، ليس فقط على الساحة السياسية الإسرائيلية، بل على مستقبل المنطقة ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .