"لن نكون ضحايا سياسة نتنياهو"، جملة تختصر القناعة الأردنية الرسمية والإيمان القوي بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفا في تاريخ دولة الاحتلال لن يتوانى عن إدخال المنطقة في حرب إقليمية، حيث تجده يستهدف إيران، ولبنان، فيما هو يمارس سياسة التطهير العرقي والترهيب عبر استهداف الضفة الغربية، تمهيدا لتهجير سكانها إلى المملكة، وهو ما بدا واضحا أيضا بالخريطة التي عرضها مؤخرا.
الولايات المتحدة والدول الغربية يدركون جيدا أن الأردن متمسك بخيار السلام، الذي سيعود بالأمن والاستقرار على المنطقة، ويدركون أيضا أن هذا الخيار ليس من المسلّمات التي لا رجعة عنها، أو كتابا مقدسا، خصوصا إذا ما بقي نتنياهو يمارس ذات السياسة وسط صمت دولي، وقد تمّ وضع هذه الدول بصورة الموقف الأردني القادم إن أقدم رئيس حكومة الاحتلال على خطته بتهجير سكان الضفة إلى المملكة.
ما يقوله الأردن بالعلن عن أن ذلك بمثابة إعلان حرب على المملكة، يبوح به أيضا في الغرف المغلقة خلال اجتماعات مع قادة العالم أجمع، ممن نجح الأردن في تغيير مواقفهم تجاه دولة الاحتلال والقضية الفلسطينية، وبادر البعض إلى نبذ نتنياهو وحكومته، وإلى الاعتراف بدولة فلسطين، وهذا الاعتراف ستخرجه للعلن قريبا أيضا دول أوروبية.
وزير الخارجية أيمن الصفدي أكد الخميس في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرته الألمانية أن أي محاولة لتهجير فلسطينيي الضفة الغربية للمملكة هو بمثابة إعلان حرب على الأردن، وبالتأكيد لا ينطق الصفدي عن الهوى، فهو يمثل دولة ولا يمكنه إطلاق العنان لتصريحات وشعارات، وهذا ما يدفع بدولة الاحتلال إلى مهاجمة المملكة أينما وجدت إلى ذلك سبيلا، حيث تدرك جيدا أن هدفنا الرئيسي هو حماية الأردن ومصالحه، وهو أمر لا نقاش فيه، ولا يمكن أن يمنعه الإيمان الأردني بالسلام، أو باتفاقيته.
بعد تصريح أيمن الصفدي خرجت بعض التساؤلات على مواقع التواصل الاجتماعي بشأن قدرة الأردن على تنفيذ ما يهدد به وزير خارجيتنا، إن استمرت إسرائيل بسياسة استهداف الضفة وصولا إلى تهجير سكانها، وهي تساؤلات في أصلها واقعية نظرا للتحديات الصعبة التي تمر بها المملكة، والتحول في سياسات الدول في المنطقة، حيث يعتقد البعض أن هناك مبالغة في إطلاق التهديد والوعيد بمواجهة حكومة متطرفة، وإدارة أميركية لا تتوانى عن توفير الدعم اللازم لإبقاء إسرائيل آمنة وقوية.
لكن، هل يخرج أيمن الصفدي بهذه التصريحات من بنات أفكاره، دون تنسيق أو مرجعية؟ حتما هذا لا يحدث، فالصفدي يمثل سياسة المملكة الخارجية، التي تبني سياقها ضمن معطيات محددة، لا يمكن لها تجاوزها لإدراكها أن هذا الملف شائك وتتداخل فيه مواقف وسياسات دول كبرى تؤمن بأهمية استقرار المنطقة للعالم، فيما لن تسمح أميركا لنتنياهو بالوصول إلى هذه الدرجة من التطرف عبر تهجير فلسطينيي الضفة وتهديد الأردن.
إن هذا حدث فعلا، فلدى الأردن العديد من الأدوات القادر بها على لجم طموح نتنياهو؛ أدوات سياسية، وأمنية، وعسكرية، تدرك خطورتها دولة الاحتلال على استقرارها، فهذه الدولة التي لا تقوى على الدخول في حرب مع منظمة حزب الله، لن تفعلها مع الأردن، وستبقي على سياسة الاستفزاز، عبر استهداف الضفة، والمقدسات في القدس المحتلة، وستواصل محاولاتها الفاشلة في زعزعة الاستقرار الداخلي للمملكة، عبر بثّ سمومها، وهو الأمر الذي لم ولن ينجح رغم تعدد هذه المحاولات وشراستها في بعض الأحيان.
عندما تقول المملكة إن تهجير الفلسطينيين من الضفة هو بمثابة إعلان حرب على الأردن، فهي رسالة لإسرائيل تعلم جيدا أهدافها، وبناء عليها تبدل قراراتها قبل أن تتخذها، رغم علمنا أن ذلك لا يعني أنها ستكف عن المحاولة.