أقفل الستار على الانتخابات النيابية الأردنية للمجلس العشرين؛ انتخابات كانت نزيهة لدرجة كبيرة؛ ولم يكن هناك من تدخلات من جهات أمنية أو غير أمنية؛ ومندوبين من الاتحاد الاوروبي حاضرين خاصة وهي التجربة الأولى لانتخابات تخوض غمارها أحزاب وقوائم.
انتهت الانتخابات البرلمانية بفوز عريض لجبهة العمل الاسلامي؛ وفوز بطعم الخسارة لبقية الأحزاب المنافسة.
وبداية لا بد من التنويه على أن الحياة الحزبية السياسية ليست جديدة في الأردن؛ ونستذكر هنا على عجالة تأسيس اول حزب أردني وهو حزب الشعب الأردني عام 1927؛ وهو اول حزب دعا إلى تكوين مجلس نيابي منتخب وحكومة مسؤولة أمامه، ثم تلاه حزب اللجنة التنفيذية للمؤتمر الوطني بزعامة حسين الطراونه؛ ثم تلاه حزب التضامن الأردن1933 ،وحزب الإخاء الأردني عام 1937 والحزب السوري القومي الاجتماعي عام1938.
ثم توالت عمليات ظهورالأحزاب السياسية ،وظهرت حركة الإخوان المسلمين عام 1943 وأعترف بها رسميا عام 1946 ، ثم كان الحزب العربي الأردني / الجبهة الوطنية 1946،وحزب الشعب الأردني1947،والحزب الشيوعي الأردني 1951 وحزب التحرير 1952 وحركة القوميين العرب 1952، والحزب الوطني الاشتراكي 1954 الذي شكل ما سمي آنذاك بالحكومة الوطنية عام 1956 برئاسة دولة السيد سليمان النابلسي ، ثم جاء بعد ذلك حزب البعث العربي الاشتراكي عام 1955 ، وتزامن ذلك مع صدور قانون الأحزاب الأول للدولة الأردنية في عام 1956.
ونتيجة للظروف الداخلية والغربية والاقليمية في تلك الفترة؛ وبعد اقرار القانون بعام واحدعام تم إعلان حالة الطؤاري، وتوقف النشاط الحزبي حتى عام 1989، حين قام المغفور له الحسين بن طلال بإعادة مظاهر الحياة الديمقراطية والبرلمانية والسماح بإنشاء الاحزاب.
ما سبق كان ارهاصات لمآلات المشهد السياسي الآن؛ وفوز حزب جبهة العمل الاسلامي؛ وترنح باقي الأحزاب التي تقارب العشرين حزبا..
وعلينا الاعتراف بتدني الثقة - إن لم يكن انعدامها - بين المواطن والأحزاب؛ وهذا يتحمل وزره الأجهزة الأمنية التي لم تكن تترك مساحة لها في الشارع الأردني حتي بعد عودة الحياة الحزبية؛ ويتحمل الوزر الآخر في ذلك القائمين علي الأحزاب من رؤساء وأمناء عامين لها؛ حين صبغوا الحزب بأنفسهم وفي فلكهم؛ مرورا باهتزاز وعدم ثقة المواطن بها وببرامجها الفضفاضة التي لا تلامس أفكاره السياسية وحياته الاقتصادية والاجتماعية؛ وأستثني حزب جبهة العمل الاسلامي. واللافت في معادلة تلك الأحزاب مع الدولة أن المواطن الأردني ورغم التضييق عليه من الأجهزة الأمنية الا أنه يمتلك ثقة نسبية عالية فيها؛ وهو أمر يدعو للدهشة والحيرة والدراسة.
وبانتهاء الفرز للاصوات واعلان النتائج فإنه شخصيا لم يشكل. لي فوز حزب جبهة العمل الاسلامي حدثا مفاجئا؛ فهو حزب منظم وعريق وصاحب قاعدة شعبية عريضة؛ وملاءة مالية ضخمة؛ وأشخاص قائمون عليه لم يُلوثوا بقضايا فساد ولا سلب مال عام؛ وهو صاحب برنامج سياسي اقتصادي اجتماعي ثقافي فكري شامل؛ وهو يعرف اللحظة الذهبية التي "يسرق" فيها نبض الشارع..
أعتقد أن الحكومة استعجلت (بسلق) الأحزاب الأخرى؛ خاصة تلك التي أرادت منها أن تكون صوتها وسوطها في مجلس النواب القادم؛ وهذا يقودنا لجملة من الأسباب؛ فأولا إن الكثرة السياسية والزحام السياسي يعيق العمل ويشتت المجهود؛ وتضيع الرؤيه؛ وثانيا؛ كان من الضروري تفادي أخطاء العقود الثلاث الماضية ممثلا بخلق حزب الرجل الواحد؛ والذي اتضح لاحقا أنه في أول انتكاسة مهما كانت؛ ينفرط عقده ويصبح كالعهن المنفوش..
كان من الأولى قبل أن تنخرط الأحزاب في أول تجربة نيابية لها أن تكون قد أعدّت العدة من سنين خلت؛ بخلق حزب قائم على مبادىء وقيم وأفكار ورؤية ورسالة واضحة؛ حتي لو كانت موالية للحكومات كلها؛ المهم أن تعمل علي اقناع المواطن ببرنامجها عبر لقاءات وندوات ومحاضرات تمتد لسنين؛ بدلا من خوض غَمار تجربة سياسية بحزب ناشيء جديد؛ بالكاد هيئته الادارية أو العامة؛ يعرفون بعضهم بعضا؛ فهي وعلى امتداد عمرها القصير أصبحت أقرب ما تكون الي نوادي خاصة لطبقة سياسية معينة؛ رافعتها رجال أعمال متقاعدون؛ يبحثون عن قضاء أوقات فراغهم مع تلك النخب السياسية لصفقات وعقود لاحقة وعمولات مؤجلة.
أعتقد أنه يمكن اختزال كل تلك الاحزاب الاردنية بخمسة أحزاب علي الأكثر ؛ ولململة تلك الفوضي السياسية؛ من خلال الاندماج؛ خاصة وأن المتابع أو المواطن بالكاد يميّز بين برنامج هذا الحزب مع ذلك؛ فهي كلها تدور في فلك واحد؛ ولا اختلاف بينها الا في انتقاء المفردات بنظامها الداخلي.
نعرف أنها التجربة الأولي؛ ونعرف أنه لا نستطيع أن نحكَم علي التجربة من أول اختبار؛ لكن كما يبدو لغاية اللحظة أن تلك الأحزاب لم تتعظ من الماضي؛ ولا من تجربة الأحزاب السابقة التي تبخرت؛ وكان الحضور في مؤتمرها العام بعشرات الآلاف من الذين كانوا يدّعون أنهم ينتمون لها !!
نبارك لحزب جبهة العمل الاسلامي؛ ونتمني أن يكون حزبا لكل الأردنيين باختلاف منابتهم السياسية واختلافهم معه؛ فهو أولا وأخيرا حزب أردني؛ نبضه واجب أن يكون من نبض الشارع الاردني؛ وعلي الأحزاب الأخرى أن تعيد النظر بشكل جدّي؛ بعيدا عن الأنانية؛ والرؤية الاحادية والقطب الأوحد؛ وأنا الحزب والحزب أنا؛ كي تستطيع أن تجد لها مقاعد أوفر في السنوات القادمة؛ والتي هي حبلى بالمفاجآت وتداعيات ما بعد السابع من اكتوبر..
علام منصور/ كاتب وباحث