"جعلونا نتكلم عن بائع الحليب وبائع الزيت وبائع الخضار ، حتى نسينا بائع الوطن"
لا أعلم مـن باع الوطن . ولكنني أعلم جيداً من دفع الثمن .واعلم جيدا أن بينهما خيط رفيع يربط بعض المصالح الدنيئة بينهم في حين هناك فجوى كبيره بين اهداف واساليب وطموحات هذا وذاك .
فالذي يدفع الثمن عدو دخيل علينا له بعد نظر يخطط بدقه متناهيه خطواته مدروسه هدفه واضح وهو تدمير كل شي جميل فينا حتي أحلامنا التي إنحسرت وتقزمت مع الأيام في خضم المعاناه والمآسي التي نراها كل يوم بعدما كانت طموحات كبيره أصبحت مجرد أحلام ورديه لانعلم إن كانت ستتحقق يوما ما ام لا؟ في ظل هذه الظلمة الحالكة التي نسجت خيوطها في وطننا.
قد نختلف في أفكارنا و مصالحنا وقد نختلف مع قيادتنا، ولكن مهما اختلفنا في أفكارنا أو عقائدنا أو مبادئنا ، مهما ظلمَنَا بني أبينا ، و قومنا ، و أهل وطننا الواحد فهذا أبدا لا يبرر لنا خيانة الوطن وقد يظلمنا من يسيرون شؤون بلادنا و أبناء جلدتنا، لكن الوطن لا يظلم أبنائه وما من عرف أو دين يبرر خيانته , ومرتكبها ستناله يد العدالة مهما اخفى هذا الجحود، وسيلحق العار بنفسه و بكل من حوله بنظرات الناس لهم لينالوا الخسران والعار والخجل في الدنيا و الاخرة ، لاشك أن خيانة الوطن من أعظم الجنايات المحرمة على كل مواطن، وقد جلبت مثل هذه الخيانات من الويلات والمصائب التي لايمكن ان تحصى وتعد ومزقت بلدان وشعوب .
إن المجموعات متى ما تمحورت حول كيفية توفير الكسب الشخصي الفاحش و اللامشروع لها و لحاشيتها، و عناصرها المتنفذة ؛ و ما نجم عنه بالتالي من توسيع للهوة الطبقية في المجتمعات التي تحكمها ، و سحق للطبقة الوسطى و تحويلها إلى طبقة فقيرة ، وجدت نفسها مع الأيام في الواقع يزداد فيه الفقراء فقرا و الأغنياء غنى و ثراءً.
الخيانة ليس لها إلا وجه واحد هو التنكر للوطنية والإلتزام به وإنحطاط أخلاقي يدفع بصاحبه إلى العمالة التي هي أقبح خيانة ، إن خيانة الوطن جريمة كبيرة ، ولكنها تزداد قبحاً في وقت الشدائد والمحن، حينما يتكالب المتكالبون لنشر الفتن والفوضى فيه ، فيستغل خائن الوطن ذلك ، وينضم إلى ركب المغرضين ، ويصطف مع الحاقدين ، ويتباهى بذلك جهاراً نهاراً، في وقت يتلاحم مجتمعه لصد الفتن ، ويتراص أبناؤه لحماية وطنهم من الشرور والمحن.
الخيانة يعظم جرمها وإثمها بعظم ما يترتب عليها من الضرر والأذى الذي يلحقه وهي جناية أكبر مما تتحمله النفس أي نفس كانت لأن كل عمل مشين يمكن للمرء أن يجد مبررا لفاعله إلا خيانة الوطن حيث لايمكن تبريره ، وبائع الوطن ليس هو الخائن الوحيد بل هناك أوجه كثيرة لممتهني هذه الحرفة المنبوذة منها : سرقة المال العام، التآمر على الوطن ،إفشاء الأسرار العامة ،عدم أداء الواجب كالخدمة الوطنية ، العمالة والتجسس ،التقصير في العمل وإهمال الممتلكات العامة ، و بالتهميش و وأد العقول المبدعة ، بعدم إحتضان إبداعاتها و اختراعاتها ، و دفن إبداعها أو اختراعها في سلة المهملات أو أدراج النسيان.
وكل ما من شأنه أن يمس بوحدة وامن الوطن، إفراغ الشباب و تجريدهم من المبادئ والقيم الأخلاقية الرفيعة ، و دفعهم نحو الإنحطاط السلوكي و القيمي ، و السعي لتحويلهم إلى فئة هامشية لا قيمة لها، لا هم لها سوى إتباع نزواتها و إشباع غرائزها، بشتى الأساليب و الطرق غير المشروعة ، عبر شبكات التواصل الإجتماعي ؛ و متى ما تحولت هذه الغرائز إلى هدف وغاية عند أي إنسان ، يصبح تفكيره تلقائياً منحصرا في نصفه السفلي من جسده ، و لن يكون لنصفه العلوي أي نصيب من الحصافة أو الفكر و التأمل في أي جانب من جوانب الحياة .
وعندها تصفو الساحة لقوى التآمر لتنفيذ مخططاتها دون خوف من عقاب أو رقيب في العمل مما يجعل الوطن يعيش المآسي والمعاناة من خيانتهم في الغش والتدليس وسرقة ألاموال المخصصة للمشاريع التنموية وإستغلال الممتلكات العامة والتصرف بها والتجويع والترويع والحجر الفكري ، إن حب الوطن من الأمور الفطرية والعقائدية التي غرسها الخالق في خلقه.
"إذا إستطعت أن تقنع الذبابة بأن الزهور أفضل من القمامة حينها تستطيع أن تقنع الخونة أن الوطن أغلى من المال".
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي