في قصر قسطنطينوفسكي بمدينة سان بطرسبورغ ، استقبل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كبار ممثلي الدول الأعضاء في مجموعة بريكس لمناقشة القضايا الأمنية المشتركة ، و هذا اللقاء يأتي في إطار التحضيرات للقمة المقبلة التي ستجمع زعماء الدول الأعضاء، حيث من المتوقع أن يشهد الاجتماع نقاشات معمقة حول سبل تعزيز الشراكة الشاملة بين دول المجموعة، ووضع إطار لحزمة من الاتفاقيات في مجالات التعاون المختلفة ، بصفة روسيا الرئيس الحالي للمجموعة، حيث تتحمل موسكو مسؤولية كبيرة في توجيه المسار المستقبلي لهذه المنظمة التي باتت تحظى بأهمية متزايدة على الساحة الدولية ، وجدير بالذكر أن بريكس ، تمثل اليوم تحالف القوة والصعود ، فمنذ تأسيسها، أخذت مجموعة بريكس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا) على عاتقها تمثيل دول ذات نفوذ سياسي واقتصادي في مناطقها المختلفة، مما جعل منها محورًا للتوازنات الجيوسياسية العالمية ، و يصف المحلل السياسي بافل دانيلين بريكس بأنها "المنظمة الدولية الأكثر أهمية"، معتبرًا أن تأثيرها يتزايد عامًا بعد عام، ويبرز باعتبارها "نادي المستقبل" الذي تسعى العديد من الدول للانضمام إليه ، ولعل ما يجعل بريكس تكتلاً استثنائيًا هو تنوع اقتصاداتها وقدرتها على لعب أدوار قيادية في شؤون دولية متعددة ، فالبرازيل تمثل قوة زراعية وصناعية، والهند مركز تكنولوجي متقدم، والصين قوة صناعية وتجارية عالمية، بينما روسيا تحتفظ بنفوذها في مجالات الطاقة والدفاع، وجنوب إفريقيا بوابتها إلى القارة الإفريقية ، و هذا التنوع يمكّن بريكس من توحيد جهودها لتشكيل توازن استراتيجي في مواجهة الهيمنة الغربية التقليدية ، ولا بد لنا هنا من التوقف عند رئاسة روسيا : دبلوماسية الفرص والتحديات ، سيما وأن تولي روسيا رئاسة مجموعة بريكس يأتي في وقت حرج من التحولات العالمية ، لهذا نجد أنه بالنسبة لموسكو، لا تمثل هذه الرئاسة مجرد فرصة لتأمين موقعها داخل المجموعة، بل تحديًا لقيادة التعاون الدولي في ظل التغيرات المتسارعة على الصعيدين السياسي والاقتصادي من جهة، كما ترى روسيا في رئاسة المجموعة انتصارًا دبلوماسيًا يعزز نفوذها ويظهر قدرتها على الحفاظ على تماسك الأعضاء وتوجيههم نحو تحقيق أهدافهم المشتركة من جهة أخرى، في وقت تواجه موسكو ضغوطًا هائلة لتطوير المبادرات الاقتصادية والأمنية التي تعزز استقلال المجموعة عن الهيمنة الاقتصادية الغربية، خصوصًا في مجالات تقليل الاعتماد على الدولار في التجارة العالمية وإنشاء مؤسسات اقتصادية مشتركة ، أما عن مشاريع بريكس ، نحو اقتصاد عالمي متنوع ، فمن أبرز الملفات التي يتوقع أن تناقشها قمة بريكس المقبلة هي تعزيز المشاريع المشتركة التي تهدف إلى تقليل الاعتماد على العملات الغربية في المعاملات الاقتصادية، وإنشاء نظام اقتصادي أكثر توازنًا ، و هذه الرؤية تتماشى مع مساعي روسيا والصين في تقليل نفوذ الدولار في الاقتصاد العالمي، من خلال تعزيز التجارة الثنائية بالعملات المحلية بين دول المجموعة وتأسيس مؤسسات مالية مستقلة ،وتلك الخطط تمثل جزءًا من الرؤية الاستراتيجية لبريكس، حيث تسعى الدول الأعضاء إلى تقليل تأثير العوامل الخارجية على اقتصاداتها، وخلق بدائل مؤسسية تلبي احتياجاتهم الخاصة ، وإنشاء بنك التنمية الجديد، فعلى سبيل المثال، يعتبر إحدى الأدوات التي تعزز التعاون المالي بين دول المجموعة وتدعم المشاريع التنموية الكبرى التي تسهم في النمو المستدام ، وكل ذلك يأتي في ظل التحديات الأمنية ، و مواجهة الضغوط العالمية ،
فعلى الصعيد الأمني، تواجه مجموعة بريكس تحديات تتعلق بالاستقرار الإقليمي والدولي ، ففي ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، تسعى الدول الأعضاء إلى تعزيز التعاون الأمني، وتنسيق السياسات المشتركة لمواجهة التهديدات المتزايدة ، و تنعكس هذه الجهود في تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية، وتطوير استراتيجيات لمكافحة الإرهاب وحل النزاعات الإقليمية، فضلاً عن تعزيز الأمن السيبراني ، اما الرؤية المستقبلية للأمن داخل بريكس تعتمد على نهج جماعي يرفض الهيمنة الأحادية، ويروج لحلول متعددة الأطراف ، و هذا التوجه يعكس إيمان الدول الأعضاء بأن تعزيز أمنها الداخلي والإقليمي يتطلب تحالفًا قويًا قادرًا على التصدي لضغوط العالم الخارجي، سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو تكنولوجية ، ويمكن القول أن
بريكس باتت تمثل رمز المستقبل ،فمع تزايد تأثيرها، أصبحت بريكس رمزًا للتعددية الدولية وللنظام العالمي المتعدد الأقطاب ، وكما يرى دانيلين، فإن "معظم سكان العالم يتبعون مجموعة بريكس" ويرون فيها رمزًا لمستقبل مزدهر ، و هذا الحماس يعكس الشعور المتزايد لدى العديد من الدول بأن النظام العالمي القائم بحاجة إلى إعادة تشكيل، وأن بريكس تلعب دورًا حيويًا في هذا الاتجاه ، في حين يُعد اجتماع بوتين مع كبار ممثلي الدول الأعضاء في بريكس خطوة نحو تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين هذه الدول، في ظل رئاسة روسيا ، هذا في وقت نجد أن تحديات المرحلة المقبلة تتطلب من موسكو توجيه جهودها نحو تعزيز التكامل الاقتصادي، وتوسيع التعاون الأمني، وتطوير استراتيجيات لمواجهة الضغوط العالمية ، لأن بريكس ليست مجرد تجمع اقتصادي أو سياسي، بل رمز لمستقبل عالمي جديد يقوم على التعددية، التوازن، والشراكة العميقة بين دول العالم الرئيسية ... !! خادم الإنسانية.
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .