من القصص الجميلة التي تحكي عن معنى الرجولة الحقيقية ومعدنها الأصيل، هي قصة الرجل الذي كان يُعِد احتفالا كبيراً بزواج ابنه الوحيد الذي ولِد بعد عشرين عاماً من زواجه ... فقد عَلِم أهل القرية مدى حب هذا الرجل لأبنه وانشغاله بالتحضير لهذا اليوم الذي يرى فيه ابنه عريساً ..
تم دعوة جميع الجيران لوليمة الغداء ، لكن جاره الملاصق لبيته لم يحضر أحد منهم إلا الابن الأصغر ، حيث أكل القليل من الوليمة وبسرعة خرج ..كان والد العريس يراقب المشهد ، ويسأل نفسه : ما هذا الجار الذي لم يقف مع جاره في هذا الموقف؟ وما هذا الجار الذي لم يحضر الأب أو الولد الأكبر على الأقل ؟ ولماذا أكل الولد الأصغر بسرعة وغادر وترك الفرح؟ ... وبدأت الهواجس والأفكار تأخذ والد العريس ، وخواطر كثيرة تمر على ذهنه .. وعندما جهّز الحضور السيارات لجلب العروس من بيت أبيها ، في تلك الأثناء جاء الابن الأصغر للجار بسيارته للمساهمة بزفاف العروسين ، لكن والد العريس رفض بانزعاج وقال له : لا نريد مشاركتكم ، عندنا سيارات كثير ...سكت الولد ولم ينطق بحرف واحد ...
عند انتهاء الفرح وإكمال المراسم ، وبعد أن غادر جميع الحضور ، وإذ بجنازة تخرج من باب جاره من غير بكاء ولا عويل .. فسأل والد العريس من المتوفي ؟ فرد عليه الابن الأكبر : انه والدي توفى ظهر اليوم ، وعند شعوره بالوفاة أوصانا بالحفاظ على الهدوء وعدم إظهار الحزن إذا وافاه الأجل لتكتمل فرحتكم بولدكم لأنه يعرف مدى حبك لولدك الوحيد ، وأوصانا أن تخرج الجنازة بعد انتهاء الفرح حتى لا تتعكر فرحتكم .. فَصُعق والد العريس عندما ظن السوء بجيرانه ، وقال : والله لو كنت أنا مكانه ما فعلتها ، لكن الرجولة لها معادنها ولا يفعلها إلا الرجال ...
من هنا نقول لمن يقومون بتحديد علاقاتهم وصداقاتهم وتعاملاتهم مع الناس بناءً على التحليلات الشخصية والتخمينات الفكرية والهواجس التي تمر على الأذهان ما بين ليلة وضحاها ، فهذا هو الخطأ بأم عينه ... ولنا في حياتنا اليومية والعملية أكبر برهان ، فلا تلوموا من ألتزم الصمت وقت الترشح والانتخاب ولم يعطي رأياً ولا تأييداً لأحد ، فقط أدلى بصوته لمن يستحق (بنظره) ولزم بيته بكل احترام للجميع ... ولم يصغي ويجالس المحللين والمفندين للمشاهد الانتخابية ، ولم يشارك بأي منشور ولا حتى بتعليق على الصفحات، فقط لعب دوره الحقيقي والصحيح بكل أمانة ... وهو يعي تماماً أن هناك أمور أكبر من هذه الموجات والنفحات الموسمية التي تطرق الأبواب مخلفة ورائها العتب والجفاء الغير مبرر بين الناس ... وليكن حُسن النوايا والتماس الأعذار شعار كل مرحلة وكل خطوه نتخطاها... فهنا تظهر المعادن الأصيلة ..