بعد أن افشلت إسرائيل الخطة الأمريكية وجميع الوساطات من أجل وقف حرب غزة وتبادل الأسرى لسبب واضح وهو إنهاء الحياة السياسية لرئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو ومحاسبته في الداخل وربما في الخارج بموجب قضايا محكمة الجنايات الدولية بعد تلك الوساطات، فعدم تحقيق إسرائيل لأي نتائج إستراتيجية في حرب غزة وإحتفاظ حماس بأكثر من 50% من قوتها ،وعدم تأثر قيادتها بإغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بل أتت بمن هو أصلب عسكريا ودبلوماسيا،إضافة الى الخلافات بين القادة العسكريين وحكومة نتنياهو والضغط من الأحزاب المعارضة ومن أهالي الأسرى، دفع بحكومة نتنياهو التفكير ببديل لإنقاذ نفسها من تلك الورطة ، وخصوصا أنه لا يوجد قرار إستراتيجي أمريكي هذه الأيام لحل مشكلة الشرق الأوسط، للخوف من التأثير على مرشحة الحزب الديمقراطي القادمة كاميلا هاريس ،فالإبقاء على الوضع كما هو والخضوع لما تقوم به إسرائيل على الأرض هو الواقع الحالي الأمريكي حتى الإنتخابات الأمريكية القادمة.
لقد كانت لدى إسرائيل على مدار العقود السابقة إستراتيجية عسكرية قوية في الحرب والسلم ،من إحتلال الأراضي الفلسطينية عام 1948 وبعدها إحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 وبعدها خضوعها لإتفاقية السلام مع دول الجوار، لكن صورة إسرائيل إهتزت وضعفت في الداخل الإسرائيلي والخارج بعد السابع من أوكتوبر، لتخبط القرارات التي إتخذتها الحكومة الإسرائيلية المتطرفة وتجاوزها على الجميع بما لا يخدم المصلحة الإسرائيلية العليا،فبدلا من البناء على عملية السلام والدخول في الأفق السياسي الذي سيفضي الى الإنسحاب من الضفة الغربية على حدود الرابع من حزيران لعام 1967 ومن القدس الشرقية لصالح دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية،تخلت هذه الحكومة عن أي إستراتيجية تخدم مستقبلها في المنطقة بهجومها البربري على غزة، وبعد هذا الفشل وعدم جدوى هذه الحرب وعدم رغبتها على فتح الأفق السياسي ،قررت هذه الحكومة نقل أنظار العالم والمنطقة إلى مكان آخر أكثر تعقيدا والذي قد يدخل إسرائيل وحلفائها الغربيين في تعقيدات جديدة.
إن إسرائيل لا زالت تتغطى بغطاء الغرب فأي عمل تقوم به ولو كان على مستوى بسيط تتحرك أساطيل الغرب لدعمها،فما قامت به إسرائيل خلال الأسبوع الماضي من إستخدام التكنولوجيا بابشع صورها من خلال تفجيرات أجهزة الاتصال البيجر الفردية في جنوب لبنان والذي اصاب الالاف اللبنانيين لم تفلح به خلال عام كامل في غزة لأن رجال المقاومة في غزة لعبوا على الجانب التكنولوجي وتجنبوا جميع أشكال التكنولوجيا من إتصالات البيجر والخلويات والأجهزة اللاسلكية باختلاف أنواعها في حياتهم اليومية والعملياتية العسكرية في مواجه العدوان الإسرائيلي،مما صعب مهمة إسرائيل في الوصول إليهم واستهدافهم.
إن اللجوء إلى إستهداف القادة لن يقدم او يؤخر في تحقيق أي نتائج عسكرية لأن هناك العشرات من القادة جاهزين لأداء الأدوار،فالوقت الذي تم إستغلاله الآن في ظل تهدئة إقليمية سابقة تدخل فيها الغرب تراهن عليها إسرائيل بقيامها بتوجيه ضربات موجعة لحزب الله عن طريق الغارات الجوية واستخدام التكنولوجيا ،لكن في المحصلة لن تحقق أي أهداف إستراتيجية من ذلك وستحرج حلفائها ،وخصوصا أن الداعم الأكبر للمقاومة اللبنانية لم تتوضح أهدافه وموقفه الداعم لغزة بعد عملية الإغتيال السابقة لإسماعيل هنية ،فخروج الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان قبل أسابيع قليلة وشرحه للخطة الأقتصادية الإيرانية القادمة خلال السنوات القادمة بأن إيران بحاجة لاستثمارات بين 200 -250 مليار دولار لتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 8%، فطهران تستطيع حشد 100 مليار دولار استثمارات داخلية، وبحاجة إلى 100 مليار أخرى استثمارات أجنبية ،وقوله أيضا ان حل الخلافات مع الدول المجاورة والعالم بأسره هو السبيل لحل المشاكل الاقتصادية ،وهذا يدل ان هناك تفاهمات ربما تم الإتفاق عليها أو سيتم قريبا مع الغرب،فالوضع الراهن في جنوب لبنان سيبقى كما هو بغارات جوية إسرائيلية وإغتيالات محدودة وقصف متبادل مع حزب الله وبدون أي إجتياح بري إسرائيلي او ما تسمى بالحرب الشاملة وهي الأقرب إلى نقل تجربة غزة بالقصف الكثيف وتدمير البنية التحتية في جنوب لبنان وجعلها غير صالحة للمعيشة ، كل ذلك إلى حين استلام الرئيس الأمريكي القادم لتتم الصفقات الإقليمية ، ولن تتحمل إسرائيل أيضا نتيجة إجتياحها للجنوب اللبناني أي تكلفة مالية إضافية والتي تقدر بخسائر يومية تصل الى 300 مليون دولار،تضاف إلى ما تخسره في غزة 220 مليون دولار يوميا ليصبح المجموع 520 مليون دولار يوميا ، في ظل عجز في الموازنة الإسرائيلية 8% لهذا العام ،وتراكم الديون والتي تقدر 315 مليار دولار، كل ذلك لا ينزع فتيل الحرب الإقليمية والتي قد تتسبب فيها إسرائيل .
الخبير والمحلل الإستراتيجي والإقتصادي
المهندس مهند عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com