غني عن القول بأهمية المواقف الأردنية التاريخية الثابتة، في دعم القضية الفلسطينية والقانون الدولي والإنساني، ففي كل يوم يقدم الأردن موقفا يؤكد سابقه والأهم، أن مواقفه تشكل رأس حربة، ومفاتيح خطاب عالمي، للسياسة المجابهة لسياسة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وأمس الأول قدم جلالة الملك عبدالله الثاني، ملك المملكة الأردنية الهاشمية دفعة سياسية جديدة للجبهة المناهضة و»المقاوِمة» للاحتلال المجرم، يؤكد ثبات الموقف الأردني على مبادئه وقيمه ودوره العربي والإقليمي والعالمي في نصرة القضية الفلسطينية، فمضامين خطاب جلالته في الدورة الـ 79 للأمم المتحدة، التي تعقد اجتماعاتها في مقرها في «نيويورك»، بالولايات المتحدة الأمريكية الداعمة الأولى بل المسؤولة الفعلية عن دولة الإرهاب الصهيوني، المزروعة في منطقتنا العربية، والتي تقترف يوميا جرائم نوعية، لتوسيع الصراعات وقلب المنطقة وإجهاض أمنها واستقرارها وحقوق شعوبها، وتسعى للخروج من أزماتها وتهديداتها بمحاولة توريط الجميع في الصراعات التي تقودها أمريكا وبريطانيا وفرنسا فعليا في الميدان، وتدعمها وتنفق عليها، وتؤمن عدم المساءلة والمحاسبة لدولة الإجرام الصهيوني الإرهابية المتطرفة.
حديث المليشيات وقادتها لا يشبه الخطاب الرسمي للدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة، والكلمات التي يقولها الزعماء في هكذا اجتماعات أممية، لا تعتبر استعراضات في الحديث، بل هي مواقف تلك الدول من القضايا المطروحة على الساحة الدولية، وتأثير خطابات الدول التي تعبر عن مواقفها من هذه الأزمات، هي المعتمدة في العلاقات الدولية وفي الإعلام العالمي، وبناء على هذه الحقيقة فيمكنني القول بأن خطاب جلالة الملك أمس الأول، هو التقرير الأردني الرسمي الحاسم، الذي لخص موقف الدولة الأردنية، الرسمية والشعبي من حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني وغيره من شعوب المنطقة، وفاق في أثره أي «خطاب مقاوِم»، وسبقه، لأنه موقف دولة وليس موقف «ميليشيا»، وهذه حقيقة يجب أن يعرفها ويفهمها للمرة المليون، كل من يعارض أو يشكك أو يتاجر ويزاود على المملكة، ودروها وجهودها تجاه فلسطين وقضيتها العادلة، وفي كل مرة، يثبت جلالة الملك أن الموقف السياسي الحاسم «أردني»، وعلى الآخرين أن يتوقفوا عنده ويقرأوه كيفما شاءوا.
سيكون لهذا الخطاب الذي هو موقف الأردن من الدولة الإرهابية المجرمة، اثر كبير، وسوف نرصد بشكل مؤكد ردود أفعال صهيونية عالمية وإقليمية حول هذا الخطاب، الذي كشف حقيقة الصورة التي يعتمدها الأردن عن الدولة الإرهابية، وأحلامها الإجرامية، وانتهازها لحالة الدعم اللامحدود الذي يقدمه العالم الأوروبي لها، وعجز القانون والإرادة الدولية عن وقف جرائمها وفرض السلام والأمن، وإنقاذ الضحايا من الموت والجوع والتشريد والعذاب، وصمت الجميع عن إدانة جرائم الحرب وتنفيذ القانون بحق مقترفيها..
وعن الحلم الصهيوني وأطماعه بالأردن، ليكون مستودعا مؤقتا للشعب الفلسطيني الذي تريد الدولة الارهابية تهجيرة وابتلاع باقي أرضه، لإكمال مراحل الحلم المعروف، وهو السيطرة على كل الوطن العربي، ومقدراته ومصير شعوبه، أعاد جلالة الملك التأكيد المهم، بأن الأردن لن يكون وطنا بديلا للفلسطينيين الذين تسعى اسرائيل لتهجيرهم، وستكون محاولة التهجير جريمة حرب، وبالطبع ستعمل الدولة الأردنية على منع حدوثها..
هذا موقف الأردن، الذي يطلب من العالم الالتزام بحماية الأبرياء في فلسطين كلها، وتأمينهم بكافة المتطلبات الضرورية للحياة، ووقف استخدامهم من قبل الإرهاب الصهيوني كأداة لكسب المعارك الظلامية، وهو الموقف الذي يتطلب من كل أردني أولا أن يفهمه، ويدعم كل جهود الدولة للدفاع عنه، وسيفعل الأردنيون، وجيشهم وجميع مؤسساتهم، فالفرق كبير بين ميليشيات تقاوم العدو المجرم، وبين دول تذود عن حدودها وأمن شعوبها واستقرارهم، وبين قادة دول، تاريخيين، يؤمنون بالحرية ولا يقبلون بتوريث شعوبهم الاستسلام للمجرمين المعتدين.. وهذه جبهة حرب أردنية مستقلة، لا بديل للأردن عن خوضها والانتصار فيها.