في ظل التحولات العالمية والإقليمية المستمرة، أصبح من الضروري أن تنتهج الدول نهجاً استراتيجياً جديداً في إدارة علاقاتها الخارجية بما يتلاءم مع المتغيرات والتحديات التي يفرضها النظام الدولي الجديد ، ويشكل هذا الأمر ضرورة قصوى للدولة الأردنية، التي تقع في قلب منطقة مضطربة وتواجه العديد من التحديات السياسية، الأمنية، والاقتصادية في ظل المشهد الجيوسياسي وتحديات الاستمرارية ، حيث
تُعد المملكة الأردنية الهاشمية لاعبًا مهمًا في المشهد الجيوسياسي الإقليمي والدولي، إلا أن التحولات الأخيرة في النظام العالمي والاضطرابات التي تشهدها المنطقة تفرض على الأردن ضرورة إعادة النظر في سياساته الخارجية لضمان الحفاظ على سيادته وأمنه واستقراره ، فالعالم اليوم يشهد تحولات جذرية على مستويات مختلفة، بدءاً من إعادة ترتيب مراكز القوى العالمية إلى الصراعات الإقليمية التي تمثل تهديداً مباشراً للدول المجاورة للأردن ، وهذه التحولات بمثابة فرصة استراتيجية للمملكة لقراءة المشهد من جديد وتقييم موقعها في العلاقات الإقليمية والدولية ، ما يعني ضرورة الحاجة إلى تجديد النهج ، رغم أن الأردن تمكن على مدار عقود من الحفاظ على توازن دبلوماسي دقيق بين القوى المتنافسة في المنطقة، إلا أن هذا التوازن يتعرض للضغط بشكل غير مسبوق ، التدخلات الإقليمية والتهديدات المستمرة على الحدود من صراعات وأزمات تجعل من الضروري مراجعة هذا النهج، فالتحالفات التقليدية للأردن لم تعد كافية لضمان مصالحه العليا، مما يستدعي تعزيز العلاقات مع قوى عالمية وإقليمية جديدة، مع الحفاظ على الروابط القوية مع الحلفاء التقليديين. الدبلوماسية الأردنية بحاجة إلى إعادة توجيه سياستها نحو بناء شراكات متعددة الأبعاد تسهم في تحقيق المصلحة الوطنية وتنويع مصادر الدعم السياسي والاقتصادي ،
حيث يعتبر الجانب الاقتصادي من أهم عوامل إعادة النظر في العلاقات الخارجية الأردنية ، فالاعتماد الكبير على المساعدات الخارجية يشكل نقطة ضعف قد تستغل من قبل بعض الأطراف للضغط على الأردن سياسيًا ، بالتالي ينبغي على الحكومة الأردنية التركيز على تنويع مصادر تمويلها وإقامة شراكات اقتصادية مستدامة مع الدول التي تشترك معها في الأهداف الاستراتيجية بعيدة المدى ، و يشمل ذلك تعزيز التعاون مع الاقتصادات الصاعدة في آسيا وأفريقيا التي تسعى إلى بناء علاقات قائمة على المصلحة المتبادلة والاستفادة من خبرات الأردن في قطاعات مثل التعليم والصحة والطاقة ، و
إلى جانب ذلك، ينبغي على الأردن تعزيز التعاون الاقتصادي الإقليمي لتجنب الوقوع في التبعية المطلقة لأي دولة أو تكتل اقتصادي بعينه ، ومن الضروري التركيز على تطوير قطاعات اقتصادية محلية مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة، وتقليل الاعتماد على المعونات المالية التي غالباً ما تكون مرتبطة بمواقف سياسية معينة ، أما
فيما يتعلق بالأمن، لا يمكن للأردن أن يعزل نفسه عن الأحداث التي تشهدها المنطقة ، فالأمن الوطني الأردني مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأمن الإقليمي، خاصة مع التحديات الناشئة من الحروب والنزاعات في الدول المجاورة مثل سوريا والعراق ، ولبنان ، وإسرائيل ، وما يحدث في غزة ، ما يدفع نحو إعادة صياغة علاقاته الأمنية مع القوى الكبرى، مع الأخذ بعين الاعتبار أن بعض هذه القوى قد لا تشارك دائمًا في الرؤية الأردنية للأمن الإقليمي ، و
في هذا السياق، يعد التعاون مع دول الخليج العربي ضرورة لتعزيز الأمن المشترك ومواجهة التهديدات الإقليمية مثل الإرهاب والجماعات المسلحة التي تهدد استقرار المنطقة ، كما يجب على الأردن أن يعزز الحوار مع إيران وتركيا، حيث يمثل الحوار البناء عاملاً حاسمًا في تهدئة التوترات التي قد تؤثر على أمن واستقرار الأردن ، ففي عالم تتسارع فيه التحولات، لا يمكن للأردن الاعتماد على سياسة خارجية تعتمد على محور واحد فقط ، من الضروري تبنى سياسة خارجية متعددة المحاور، تعزز التنسيق مع مجموعة واسعة من الدول والتكتلات، بما فيها الاتحاد الأوروبي، روسيا، الصين، ودول جنوب شرق آسيا ، وهذه التعددية تضمن للأردن هامشًا أوسع للمناورة السياسية وتعزز من قدرته على تحقيق مصالحه الوطنية دون الانزلاق إلى سياسات الإملاءات الخارجية ، هذا إلى جانب العلاقات مع الغرب والشرق، يجب على الأردن أن يولي اهتمامًا أكبر بتعزيز علاقاته مع الدول الأفريقية، التي تشهد نموًا اقتصاديًا متسارعًا، حيث يمكن للأردن أن يلعب دوراً مهماً كشريك تجاري واستثماري لهذه الدول ،سيما وان تنويع العلاقات الخارجية يعزز من مكانة الأردن كمحور سياسي واقتصادي في المنطقة ويفتح أمامه آفاقًا جديدة لتحقيق التنمية المستدامة ، في وقت
يمتلك فيه الأردن ميزة مهمة في سياسته الخارجية تتمثل في دوره الإنساني والإغاثي، خاصة في ضوء استضافته لأعداد كبيرة من اللاجئين ،و يمكن للأردن أن يعزز مكانته على الساحة الدولية من خلال لعب دور أكثر فاعلية في القضايا الإنسانية والدبلوماسية الثقافية ، و تبني هذا النهج لا يساهم فقط في تحسين صورة الأردن على المستوى الدولي، بل يساعد أيضًا في بناء علاقات جديدة تستند إلى التعاون الثقافي والإنساني بدلاً من الاعتماد فقط على المصالح الاقتصادية أو الأمنية ، وأخيراً
إعادة النظر في العلاقات الخارجية ليست مجرد خيار بل هي ضرورة تفرضها التحديات والفرص التي يواجهها الأردن ، ومن الضروري أن تتبنى المملكة نهجًا ديناميكيًا قادرًا على التكيف مع التحولات العالمية والإقليمية ، وهذا النهج يجب أن يكون قائماً على تعزيز الاستقلالية الاقتصادية، وتنويع الشراكات الدولية، وتحقيق التوازن بين المصالح الوطنية والأمنية ، وان صياغة رؤية جديدة للعلاقات الخارجية ستعزز من قدرة الدولة على مواجهة التحديات المستقبلية وحماية مصالحها العليا في عالم يزداد تعقيدًا وتشابكًا . خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .