في الحديث أن الصورة ضبابية مجافاة للحقيقة، فيبدو بوضوح أن واقع الحال يتجه نحو ما هو سلبي وخطير للمنطقة، إذ تصر إسرائيل على التأزيم واشعال فتائل حرب وليس فتيلا واحدا، وانزلاق المنطقة نحو حرب إقليمية، الجميع خاسر بها دون أدنى شك، والغريب أن الإصرار على البقاء في زاوية الصمت العالمي بات السائد، ودون ذلك الاستثناء!!!.
إلى أين؟ السؤال الصعب الآن، وماذا بعد؟، من الواضح أن إسرائيل لم تعد تألف السلام، ولا العيش بظلاله، ماضية في حرب لا تتوقف، ويبدو أنها لن تتوقف، ظنا منها أن كل ما تقوم به من حروب على أكثر من جبهة تسجل بذلك انتصارات، للأسف لم يدقق في واقع الظروف يرى عكس ذلك، فلا انتصارات في حروب تشتعل يوميا ولا ترى للسلام لها أفقا من قريب أو حتى من بعيد، فهي الهزيمة، وهي الخسائر الضخمة.
الأردن وخلال أشهر بل خلال سنين، لم يتوقف عن طرح ثوابت في تطبيقها خروج من أزمات متتالية، تضمنها تحذيرات من الإصرار على جعل الحروب نهج حياة، ودونها استثناء، واضعا الصورة بواقعية على مرأى العالم، والحث على ضرورة أن يسود السلام العادل والشامل، وأن لا نجعل من الأجيال تحديدا الصغيرة منها تتجرد من انسانيتها نتيجة لحروب لم تبق في حياتهم شيئا من الحياة، تركتهم على قارعة طريق الفقدان واليتم والظلم، مجردين من كل شيء بدءا من أحلامهم وصولا لحقوقهم.
لم يتوقف الأردن عن تحذيراته يوما، كلما علت صوت المدافع علا صوته مطالبا بالسلام العادل والشامل، كلما صرخ أطفال غزة وفلسطين، جاهر بصوته أن هذه الحرب ستكون مدمّرة لمستقبل منطقة وأجيال، وكلما قتلت موظفين مدنيين في منظمات إنسانية، نادى بحماية هذه الكوادر بحزم، ولكن يبدو أن صوت المدافع والقذائف لم تسمع حتى الآن المجتمع الدولي الذي يرى أن ما يحدث لا يستحق التدخل، وأخذ مواقف حازمة تجاه إسرائيل لتتوقف عن حروبها، وجرائمها، وبقائها فوق القانون بكل جرأة وثقة أنه يحق لها ذلك!!!.
واقع الحال يبعدنا بشكل حقيقي عن رؤية السلام يلوح بالأفق، بل يفقدنا حتى الأمل بذلك، ويعمّق من الأزمات ويجعل من شبح الحروب تقترب من الأماكن شيئا فشيئا، وآثارها باتت تؤثر على كل ما حولنا سياسيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا، تشابك بالأحداث، وتأزيم بظروف المنطقة، ربما في البحث عن نور بهذا النفق المظلم بات مهمة صعبة بل مستحيلة، لكن في ازدياد العتمة أمل بأن النور قريب، فلولا الليل لما جاء النهار.
يمضي الأردن في مساعيه لتحقيق السلام وعدم السكوت عن أي خروقات للقانون الدولي الإنساني، وتعزيز حماية المدنيين، وضمان إيصال المساعدات، وتحذيراته من مغبة تفجر الأوضاع في المنطقة وجرّها إلى حرب إقليمية، إذا استمرت إسرائيل في عدوانها على غزة ولبنان، والتصعيد الخطير في الضفة الغربية وانتهاكاتها للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، سيبقى الأردن ثابتا على مواقفه، حاثّا العالم على السير بذات النهج، ذلك أن بقاء الحال على ما هو عليه تضييق لكل دروب السلام وأن القادم يحمل المزيد من الظروف السيئة والسلبية بأعلى درجاتها.