منذ اللحظات الاولى للعملية التي تم الإعلان فيها عن اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، في عملية نوعية أُحكم تخطيطها ونُفذت بعناية فائقة، والتي استهدفت الرجل الذي كان على رأس إحدى أكثر الحركات السياسية والعسكرية نفوذاً في المنطقة لعقود، فمنذ توليه قيادة حزب الله في عام 1992 بعد اغتيال عباس الموسوي، أصبح خلال العقود الثلاثة الأخيرة واحداً من أبرز الشخصيات السياسية والعسكرية على الساحة اللبنانية.
تحت قيادة نصرالله، تحول الحزب من مجرد حركة مقاومة إلى قوة إقليمية رئيسية تدير شؤونها السياسية والعسكرية بمهارة ادت الى ترسيخ نفوذ الحزب في الداخل اللبناني حيث بات يمثل قوة سياسية رئيسية في البرلمان و الحكومة اللبنانية، بينما في الخارج ،وفي اعقاب حربه مع إسرائيل "تموز2006"، أصبح الحزب أداة مهمة في الاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، وخاصة في المواجهة مع إسرائيل والغرب و ساهم نصرالله في تعزيز دور الحزب في الصراع السوري، مما أدى إلى تزايد التوترات بين الحزب والدول الغربية والخليجية التي تعتبر تدخله دعماً للنظام السوري وحماية للمصالح الإيرانية.
بلا شك أن اغتيال نصرالله يترك فراغًا كبيرًا في قيادة حزب الله، الذي يعتمد على الزعامة الكاريزمية لنصرالله لإدارة سياساته وتحركاته في لبنان وخارجه. يُنظر إلى نصرالله على أنه الشخصية الأبرز في قيادة الحزب، وتحظى خطاباته بمتابعة واسعة لدى مؤيديه، الذين يعتبرونه رمزًا للمقاومة والصمود.
على الصعيد السياسي، يواجه حزب الله أزمة داخلية تتمثل في اختيار خليفة لنصرالله، ورغم التنظيم القوي الذي يتمتع به الحزب، فإن فقدان شخصية محورية مثل نصرالله و العديد من القادة العسكريين البارزين في أيام معدودة يؤدي على الأقل إلى إضعاف تماسك الحزب في مواجهة خصومه المحليين والدوليين، والتحدي الذي خلفه انقطاع سلسلة القيادة يستوجب إعادة تنظيم صفوفه داخليًا واختيار خليفة لنصرالله ، مع المحافظة على الضغط العسكري والسياسي على إسرائيل من خلال بعض العلميات الصاروخية باتجاه الداخل الإسرائيلي والاسناد من حلفاءه في العراق واليمن.
على الصعيد الإقليمي، بالأمكان اعتبار العملية نقطة تحول في الصراع بين إسرائيل وحزب الله المدعوم بشكل رئيسي من إيران، والذي يعتبر أحد الأدوات الرئيسية لطهران في استراتيجيتها لمواجهة النفوذ الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة، ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة تصعيد في "حرب الخطابات" بين إسرائيل وإيران بعد هذا الحادث، مع الاخذ بعين الاعتبار جميع السيناريوهات التصعيدية إذا ما قررت إيران دعم حزب الله في الرد على اغتيال قادته.
دوليًا، ستكون الأنظار موجهة إلى كيفية تعامل القوى الكبرى مع هذه الأزمة، الولايات المتحدة التي تدعم إسرائيل بشكل واضح، قد تواجه ضغوطًا من حلفائها في العالم العربي لإيجاد مخرج دبلوماسي لمنع التصعيد، بالرغم من أن الإدارة الامريكية عبر تجارب عديدة لا تتدخل لكبح جماح إسرائيل في اوج انتصاراتها ، وهو امر في نظر الكثيرين قد يشكل خطراً اقليمياً في ظل القيادة المتطرفة للحكومة الإسرائيلية.
يبقى الملف الأبرز في الصراع هو "غزة" ، تأثيرات الحرب في الشمال حتما لها انعكاسات تصعيدية بعد النشوة لدى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ، بنجاح عملياتها الاستخباراتية والتي أرسلت من خلالها رسائل هامة جداً لكل الأطراف في المنطقة بأن إسرائيل لن تتهاون مع أي طرف يحاول المساس بأمن إسرائيل، وهذ ما حصل في الساعات الماضية بتوجيه ضربات لليمن وسوريا.
الأوضاع الحالية في المنطقة مفتوحة على جميع السيناريوهات ، والأيام القليلة القادمة حاسمة في تحديد الاطار المكاني والزمني لهذه الحرب التي تفوقت فيها إسرائيل في تدمير البشر و الحجر في غياب واضح للمجتمع الدولي.