التصعيد الإيراني-الإسرائيلي: بين الهجوم الصاروخي وردود الفعل المحتملة ... !! د. رعد مبيضين .
شهدت الساحة الإقليمية تصعيدًا خطيرًا إثر الهجوم الصاروخي الإيراني على مواقع عسكرية داخل إسرائيل ، وقد أطلقت إيران ، وفقًا لمصادرها، 220 صاروخًا باليستيًا، بينما تشير التقديرات الإسرائيلية إلى 181 صاروخًا ، و رغم أن الأضرار البشرية كانت محدودة على الجانب الإسرائيلي، مع إصابة اثنين بجروح طفيفة، فإن التداعيات النفسية والاستراتيجية لهذا الهجوم تفوق بكثير ما يمكن قياسه بالضحايا أو الأضرار المادية المباشرة ، سيما وأن الهجوم الصاروخي له جملة من الدوافع والأهداف ، ومن الواضح أن إيران استهدفت القواعد العسكرية الإسرائيلية، متجنبة بشكل متعمد المواقع المدنية، وهذا يعكس نية طهران في إرسال رسالة محددة لإسرائيل والعالم دون تجاوز خط أحمر قد يؤدي إلى رد عسكري شامل ، ونجاح إيران في إصابة أهداف عسكرية مهمة، وظهور الصور على منصات التواصل الاجتماعي التي تؤكد حجم الانفجارات، يقوّض الرواية الإسرائيلية التي تحاول التقليل من شأن الهجوم ، ولعل
الأهم من حجم الخسائر المادية هو التأثير النفسي على المجتمع الإسرائيلي ، فالهجوم الصاروخي الإيراني، رغم قلة ضحاياه، أثار حالة من الذعر والخوف، خاصةً في ظل تزامنه مع عملية فدائية في يافا أودت بحياة سبعة إسرائيليين ،حيث ان تداخل هذه الهجمات يظهر التنسيق الضمني بين مختلف الأطراف المعادية لإسرائيل، وهو ما يعزز الشعور بفقدان الأمن داخل إسرائيل ، مما شكل مضمون المفاعيل النفسية ، و الحرب غير المرئية فمن الناحية النفسية، تعتبر هذه الهجمة ضربة قاسية لإسرائيل ، الصورة الرمزية للهجمات الصاروخية المتكررة، والقدرة على اختراق الدفاعات الجوية، تركت أثرًا عميقًا على الوعي الجمعي الإسرائيلي ،و حتى وإن كانت الأضرار على الأرض أقل مما تبدو للعيان، فإن التهديد الذي تحمله مثل هذه الهجمات، والنوايا الواضحة وراءها، تجعلها أكثر خطورة من أي عملية أخرى ، فالهجمات الإيرانية المتكررة عززت مشاهد "يوم القيامة" في أذهان الإسرائيليين، وقدمت دليلًا ملموسًا على أن قوة الردع الإسرائيلية لم تعد مطلقة، خاصة بعد سلسلة اغتيالات وضربات في لبنان ، لهذا فإن الرواية أصبحت تكتسب أولوية كبرى في هذا الصراع ، فإسرائيل باتت مضطرة لإعادة بناء صورتها أمام شعبها والعالم ، إلا أن الرد الإسرائيلي ما زال بين الحسابات الشخصية والسياسية ، ولم يغب عن الأذهان الرد الإسرائيلي الحتمي ، وبعد ساعتين فقط من الهجوم، ظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليهدد برد قاسٍ، متعهدًا باستهداف من يقف وراء الهجوم، مذكّرًا بتجربته السابقة مع قادة "حزب الله" و"حماس". هذه التصريحات تشير إلى استعداد إسرائيل لتصعيد محتمل قد يتجاوز مجرد الرد التقليدي، ليطال منشآت نووية إيرانية أو شخصيات قيادية بارزة ، والمفارقة أنه وفي ظل هذه التهديدات ظهر اليوم الموافق 4 اكتوبر في خطبة الجمعة المرشد الأعلى علي خامنئي ، وبحضور كامل القيادات الأمنية ، وبشكل علني ، ومكشوف أمنيا ليرسل رسالة تحدي رداً على التهديدات الإسرائيلية ، ويقول ها نحن أمامكم ، فماذا عن تهديداتكم ؟!! ولكن حسابات نتنياهو تتجاوز الرد العسكري البحت ، فالرجل الذي يطمح لاستعادة لقب "سيد الأمن" الإسرائيلي، يواجه ضغوطًا داخلية هائلة بعد الانتقادات التي تعرض لها نتيجة إخفاقات سابقة، أبرزها الهجوم الكبير الذي نفذته حماس قبل عام في السابع من أكتوبر/تشرين الأول ، من هنا، فإن أي رد ضعيف على الهجمة الإيرانية الأخيرة قد يضر بشعبيته السياسية المتذبذبة، ويدفعه نحو مغامرة عسكرية تهدف لاستعادة هيبته السياسية ، فضلاً عن حسابات إقليمية ودولية ، فالأطراف على خط النار ، وفي ظل هذه التوترات، تلعب الولايات المتحدة دورًا حاسمًا في تحديد طبيعة الرد الإسرائيلي ، و الدعم الأمريكي يعتبر عنصرًا أساسيًا في أي عملية ضد المنشآت النووية الإيرانية، ليس فقط من ناحية القدرات العسكرية، ولكن أيضًا لضمان عدم تصعيد الموقف إلى حرب إقليمية شاملة ، إضافة إلى ذلك، يبقى الموقف العربي مهمًا في هذا السياق ، و التصعيد قد يُعقّد العلاقات مع بعض الدول العربية التي تسعى للحفاظ على استقرار المنطقة، خاصة في ظل التطبيع الأخير بين إسرائيل وبعض الدول العربية، التي لن ترحب بحرب إقليمية واسعة تؤثر على استقرارها الداخلي وأمنها الاقتصادي ، وقبل الختام علينا أن نتساءل
: إلى أين تتجه الأمور؟!!
فالهجمة الصاروخية الإيرانية على إسرائيل تشكل نقطة تحول في الصراع بين البلدين، وتفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة قد تشمل تصعيدًا واسعًا أو تحركات دبلوماسية تهدف لاحتواء الموقف ، و في كل الأحوال، يبقى أن إسرائيل تواجه تحديًا غير مسبوق في الحفاظ على قوة ردعها وصورتها أمام العالم، بينما تستمر إيران في تعزيز موقفها الإقليمي وسط تصاعد التوترات الدولية ، ولعل الأسابيع القادمة ستكشف إذا ما كانت إسرائيل ستختار الرد العسكري الحاسم، أو أنها ستفضل الاحتواء بالتنسيق مع الولايات المتحدة ، وفي النهاية، سيعتمد الكثير على قدرة الطرفين على الموازنة بين الطموحات الشخصية والسياسية، وبين المخاطر التي تتهدد المنطقة بأسرها ...!! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .