التنوير أو ما عُرف بعصر التنوير ، حركة سياسية واجتماعية نشأت في بريطانيا وتطورت في فرنسا ، في مقابل القصور العقلي الذي ساد في ذلك الوقت خلال القرن الثامن عشر ، وقد عرّف الألماني ” إيمانويل كانت ” آخر فلاسفة عصر التنوير على انه (خروج الإنسان من حالة انسداد العقل وجموده وقصوره إلى مرحلة بلوغ سن الرشد العقلي ، في مقابل تعريف القصور العقلي على انه ” التبعية ” للآخرين وعدم القدرة على التفكير واتخاذ القرار) ، ومن هنا جاءت الصرخة مدوية ، أن تنوروا أيها البشر ولتكن لديكم الجرأة على استخدام عقولكم .
يبدو أن العرب ما زالوا يعيشون القصور العقلي ويرفضون التنوير ، بل وأكثر من ذلك ، تبدو كلمة التنوير بحد ذاتها مصطلحا غريبا ودخيلا على حياتنا اليومية ، وحتى من يحاول دخول عصر التنوير يدخله من باب الدين والطعن به وإن كانوا قلة قليلة ، فهم لم يحاولوا إصلاح فهم الدين لدى الناس المعتمد أصلا على الموروث القديم ، بل أنهم أرادوا إصلاح الدين نفسه وإبعاده عن الحياة ووضعه على الرفوف في مخازن الأرشيف ، وهو الأمر الذي جوبه بالرفض من غالبية الناس المسلمين ، ولم يسعوا أبدا إلى نشر مفهوم التنوير بمفهومه الواسع السياسي ، الاقتصادي ، الاجتماعي والثقافي ، علما بأنه ربما لم تمضي مرحلة من حياة العرب تستدعي البحث عن التنوير والعمل به أكثر من المرحلة الراهنة التي نعيشها اليوم ، ولا أريد هنا فتح ملفات الحروب المصطنعة بين العرب والعرب ، ورائحة الدماء التي فاحت في أجوائهم ، وسوء العلاقات فيما بينهم ، ناهيك عن الصراع العربي الاسرائيلي ، وعدمية الفكر لدى الشارع العربي ، الذي رضي بكل ما يحيق به من كوارث صنعتها أيادٍ تتحكم بالبشر والشجر والحجر ، مما أدى إلى جمود فكري وعقلي مطلق ، وعدم التقدم خطوة واحدة نحو التنوير العقلاني والتطوير الميداني .
ليس من الحكمة إنكار أن بعضا من المفكرين العرب سعوا في مرحلة ما ليست بعيدة ، إلى إيجاد صيغة نهضوية تنويرية تتفق مع الموروث الثقافي والتاريخ العربي والإسلامي ولا تتناقض معها ، إلا أن ذلك يصطدم دائما مع الرأي القائل ، أن التاريخ العربي نفسه يحتاج إلى إعادة البحث فيه ودراسته وتقييمه من جديد ، وبدون ذلك لا نستطيع أن نغير في مفاهيم راسخة في عقل الإنسان العربي ، التي ربما تكون على قدر كبير سببا رئيسيا في عدم انتشار الحركة التنويرية عند العرب ، كما أن واحدة من معيقات العمل التنويري ، هو حجب العواصم العربية الرافضة للتنوير العقلي أمام أي مؤتمر يتحدث عن التنوير والقصور العقلي ، وعلى كل حال فإن أي مشروع نهضوي تنويري يجب أن يكون واضح المعالم ، منتشرا في كل الجسد العربي ، سياسيا كان أو اقتصاديا أو اجتماعيا وتغيير ثقافات لا تنتمي لأي شيء ، وأن يصب التنوير في اتجاه واحد ، إلى المستقبل .
عصمت أرسبي