لا يقبل الأردنيون، الدولة والمجتمع معا، أن تتحول «عمان» إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية بين الفصائل والتنظيمات، مهما كان اسمها أو مصدرها، ولا يمكن لبعض أحزابنا التي خرجت للشارع، وهي ترفع لافتة «المقاومة» بأعلام ورموز غير أردنية، وتردد هتافات مغشوشة تستحضر من الماضي أسوأ ما فيه، وتتهم بلدنا بالخيانة، وتشكك بمواقفه، أن تقنعنا ( توهمنا: أدق) أن ما فعلته يصب في المصلحة الوطنية.
تصور، حين يعترض أي أردني على هذه الأصوات، ويطالب بتفعيل القوانين التي تحمي البلد من فتنة صناعة الثنائيات، وتجنب المجتمع من عدوى الانقسام، وتحافظ على نواميسنا الوطنية ونسيجنا الاجتماعي، يخرج من بيننا من يقول لي ساخرا : تفضل، دافع عن الهوية الأردنية التي عينوك ناطقا رسميا لها..وكأن الدفاع عن الهوية الأردنية مدعاة للسخرية والاستهزاء، أو أنه من النقائص التي تستدعي الخجل..
لن أرد على هذا الكائن، وغيره ممن تسللوا إلى مضاربنا على مراكب النفاق والدجل والكذب، هؤلاء لا يستحقون الرد، يكفي أن أقول : الدفاع عن الهوية الأردنية شرف لا أدعيه وتهمة لا أنكرها، وإذا كان صحيحا أني أقوم بهذا الواجب الوطني فأنا أعتز وأتشرف به، لن أدخل، أيضاً، في تفاصيل ما حدث خلال الأشهر الماضية، سواء ما جرى باعتصامات وسط البلد او مسجد الكالوتي، أو الاحتجاجات في الشارع وعلى المنصات، أستأذن بتسجيل خمس ملاحظات سريعة.
الأولى : قضية الأردنيين، مهما اختلفت أصولهم واتجاهاتهم السياسية، يجب أن تكون الأردن، فالهوية الأردنية هي مقدمة ونتيجة معا لهذا الانحياز غير المشروط، وهي لا تحتاج لأي صفة إضافية، جامعة أو مانعة، إنها هوية أردنية (نقطة)، وذلك لكيلا تدخل في جدل التسميات والإضافات والاستخدامات المغشوشة.
الثانية: القضية الفلسطينية تقع في صلب أولويات الأردنيين، وهي غير معزولة عن المشروع الأردني، لكن ثمة هوية فلسطينية يجب التمسك بها والحفاظ عليها، وهي أيضا لا تحتاج الى إضافات، لكن من غير الجائز أن يتعمد البعض صناعة هويات سياسية داخل هذه الهوية، أو نداً لها، كما أنه من غير المقبول نقل التجارب الخاطئة من الأماكن التي خرجت منها الى أمكنة أخرى، أو تقمص الأدوار واستعراضها في بيئة مزدحمة بصور الالتباس، أقصد بالمكان والبيئة بلدنا، الذي ندرك تماما حساسية تركيبته، وحالته السياسية والاجتماعية.
الثالثة : عودة الإخوان المسلمين من الرفّ إلى الطاولة على مركب لجنة التحديث، ثم الى احتجاجات الشارع على سكة «المقاومة»، ثم الانتخابات ومقاعد البرلمان، مسألة تستدعي التوقف والمصارحة، صحيح، ليس هنا مكان النقاش فيما جرى بين الدولة والإخوان في العشر سنوات الأخيرة تحديدا، لكن الواجب أن نُذكّر «الإخوان» بعد كل ما جرى، أن القضية الأردنية الوطنية هي المستند الأساسي لمشروعية نشاطهم السياسي، وقد حان الوقت ليحسموا هذه المسألة بشكل واضح لا يقبل اللبس، أما عناوين القضية الوطنية فمعروفة، ولم يعد بالإمكان التغطية عليها بشعارات «المقاومة» وحماية الوطن، او غيرها من اللافتات.
الرابعة : لا شك أن لبعض الأحزاب والقوى السياسية والنخب في بلدنا، امتدادات وجذورا فكرية وسياسية خارج الحدود، بعضها يستدعي النضال باسم فلسطين، والآخر ما زال يعتاش على بقايا فكر قومي أو يساري عربي، وغير عربي، ومن المفارقات أنها ترفض، غالبا، التوافق فيما بينها، كما أنها لم تحسم انحيازها للمشروع الوطني الأردني القائم على أولوية الأردن وخصوصيته، وتاريخ الدولة وقيمها والأفكار والمبادئ التي تأسست عليها، وبالتالي فإن توطين ( ترخيص) هذه الأحزاب في المنبت الأردني، يحتاج لتحريرها، أولا، من منابتها القديمة التي استندت إليها عند النشأة، ولا تزال متمسكة بها.
تبقى الملاحظة الأخيرة، وهي أن آخر ما يخطر ببالي أن أقع في «فخ» التصنيف على قائمة الوطنية، سواء بالإدخال أو الإخراج، فالأردنيون، معارضين وموالين، يتصرفون داخل الصالح العام والملة الوطنية، ولا فرق بينهم، لكن مع ذلك لدينا سوء فهم، أو ربما خلط متعمد، في موضوعات أساسية مثل الهوية والحزبية والمقاومة.. الخ، ولدينا بعض من دخلوا على هذا الخط الملتبس، واستثمروا فيه بشكل مريب، الأمر الذي يستدعي التدقيق فيما يطفو أو يغطس داخل مجالنا العام، والتحذير أيضا من العبث بنواميسنا الوطنية تحت أي مسمى أو ذريعة.