لقد خرجت علينا الدراسة التي أجراها مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية بأن الأجهزة الأمنية والجيش حظيا بأعلى نسبة ثقة للمواطن الأردني حيث وصلت الى97% بينما الحكومة التي شكلت مؤخرا وصلت نسبة الثقة فيها 50%،ماذا يعني ذلك؟
يعني ان المواطن يثق بمؤسسة الأجهزة الأمنية والجيش نظرا لإحترافيتها ومهنيتها العالية للأدوار التي تقوم بها على أرض الواقع من واجبات رئيسية وأخرى ثانوية متنوعة وبنجاحات متميزة دون فساد أو محسوبية وبمعايير متقدمة بمكافأة المجتهد ومحاسبة المقصر والذي يعظم من الإنتاجية من أداء الواجبات الصحية والتعليمية والثقافية والقانونية والهندسية والمالية والتجارية والتصنيعية والخدماتية إضافة إلى الواجب الرئيسي وهو حفظ الأمن لينعم المواطن بالطمأنينة والأمان.
إن التناغم الكامل بين الأجهزة الأمنية والجيش مع المواطن لم يأت من فراغ فقد أرسى دعائمه الهاشميون وركزوا على الاحترافية وأداء الواجب على أحسن حال وصقلوا شخصية منتسبيه ليكون مخلصا بعمله لديه البدائل والحلول للمعاضل التي يواجهها بفضل تدريبه المستمر وتطوير قدراته ، وإنتاج القادة الذين يفكرون خارج الصندوق ويتفهمون ويقرأون همسات المواطن وأوجاعه من خلال المنتسبين لهذه الأجهزة.
فالمواطن في الأردن لا يعيش فيه كما يعيش مواطن نيوزلندا وجزر البهاما فالتحديات الجيوسياسية وشح الموارد ألقت بظلالها على كل من يتسلم موقع قيادي من وزراء وأمناء عامين ورؤساء هيئآت ومدراء ،فلا يستطيعوا عكس ما هو على الورق من خطط ورؤى تحديث ما لم يتصفوا بالشخصية القيادية الواقعية الصادقة التي تعمل على الجزيئات البسيطة لأنها تؤدي الى النجاح والتي هي أقرب إلى الشخصية العسكرية.فالدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة والصين تعيد منتسبي أجهزتها الأمنية والجيش المتقاعدين ليشغروا مناصب في الوزرات والمؤسسات الحكومية ليستفيدوا من خبراتهم وإدارتهم المتميزة وخصوصا في هذه الأيام الصعبة. فالأجهزة الأمنية والجيش إبتعثت كوادرها إلى أحسن الشركات والمعاهد التعليمية والمستشفيات والمصانع في العالم ليواكبوا التطورات التكنولوجية والفنية والإدارية والقيادية،وقد أبدع معظمهم وإكتسبوا تجربة وتم عكسها على مؤسساتهم.
إن تدوير المسؤولين منذ سنوات مضت لم يأت الينا بالقياديين الذين يفكرون خارج الصندوق ،ولا زالت ثقة المواطن فيهم ليست كما يجب،لذلك علينا تدوير الذين خدموا في الأجهزة الأمنية والجيش لتبوأ مناصب قيادية متقدمة في الحكومة ومؤسساتها ودوائرها لأن لديهم ما يقدمونه في هذا الظرف الصعب، فالأطباء والمهندسين والقضاة والإعلاميين والمعلمين والمهنيين والجامعيين والإداريين والخبراء منهم يستطيعون صنع الفارق إذا أعطيت لهم الفرص.
الخبير والمحلل الإستراتيجي والإقتصادي.
المهندس مهند عباس حدادين. mhaddadin@jobkins.com