أتدرين لمن تحنُّ حباتُ الزيتون؟ ألا ترينها تتمنعُ عن النزول؟ وتنتظرُ لمَساتَ أكفّ الآباء والجدود، فاسوّدت وجناتها قبل الأوان، وأتى الغروب - ولم يأتوا.
أتعلمين أنها سيقت للطاحون قسرا، وأنها تمخضت عن زيتها ندرا، وكأنها وئدت عن خضرتها - لم تغازل قطر السماء بعد، ولم تتمايل رقصاً مع رياح الخريف قبيل الغروب.
أراها على أغصانها حزنى، كانوا يصعدون اليها مهما علت، والآن يبرحونها بالمطارق ضربا، أنسوا أنها أخية التين في الآي ذكرا، أم لم يعد للذكر عندهم ذكرا. دموع حبات الزيتون تستجدي عدالة التين قطفا.
أيا جارة الجبل! فلتنظري للوادي السحيق، كيف كنا، وكيف لهونا ولعبنا معاً، على أغصانها الندية، نداعب ضياءها مع أول خيوط الشمس الممتدة اليها، أتذكرين كيف اختبأنا من المطر تحتها، وكم بللتنا قطراته الزكية دون القطاف، ننتظر هدنة مع السماء ولا نعود، حتى نجمع المحصول، ونحمله على الطين، معززا مباركا - لا شرقيا فيه ولا غربيا.
أيا جارة الزيتون، أتذكرين أحاديثه الخجلى، وذكريات الصمت الطويل، ثمة نظرات حب وحنين، هناك تحت أغصان الزيتون، تشابكت أيدينا - قبل العيون. وافترقنا مذاك - مات الزيتون.
أتذكرين الحصير، كم جلسنا فوقه نتسامر تناهر الآباء ، يشحذون همم الطفولة، وزنود الرجولة، وعطف بُنيات القطا لزوادة الظهيرة، لقيماتٍ معدودات لا تقوى على سحابة الجوع - لا عودة لعشاء المساء قبل قطف آخر شجرة زرعها الجد الخامس.
أتعلمين يا أخية العرب، أني عشقتك - خضراء سمراء، مغبرة وندية، عالية وبهية، ثم إني لنور زيتك المضاء اتلهف لثمك مغموسة بخبز قمح السهول - ساخنا دافئا. يسري بين مفاصل العظام، وفي أعالي تيجان شرايين القلوب.
زيتون بلادي يحنُّ إلينا ، ليصنع ذكريات الأحفاد من بعدنا ، ويجمع باقي شتات القرية.
أحمد.