ما زالت جزيرة قبرص اليونانية ، تعد مركزًا جغرافيًا مهمًا للولايات المتحدة والغرب وحليفتهم إسرائيل في منطقة البحر المتوسط ، وقد تطورت قبرص خلال العقود الأخيرة لتصبح بمثابة "الفناء الخلفي" لهذه القوى، حيث استفادت إسرائيل من موقعها الإستراتيجي لتحقيق النفوذ والسيطرة في البحر المتوسط، وكذلك للتأثير في مسار العمليات العسكرية الإقليمية ، وتقدم الولايات المتحدة وبريطانيا دعماً كبيراً لهذا التحالف الإستراتيجي ،
فمنذ انقسام جزيرة قبرص في عام 1974 بين القبارصة الأتراك واليونانيين، بدأت الدول الغربية بتعزيز وجودها العسكري هناك، معتبرة الجزيرة قاعدة محورية لتأمين مصالحها ، بينما اتسمت العلاقات بين نيقوسيا وتل أبيب بالتوتر لعقود، وشهدت تحولات مهمة بعد انضمام قبرص إلى الاتحاد الأوروبي في عام 2004، حيث دفعت التحالفات الإقليمية وتوتر العلاقات مع تركيا كل من نيقوسيا وتل أبيب إلى تعزيز تعاونهما، خاصة بعد اكتشاف احتياطيات الغاز في البحر المتوسط، مما خلق مصالح مشتركة حقيقية بينهما، وشجع على ترسيم الحدود الاقتصادية الخالصة وتأمين خطوط إمداد الطاقة ،
وأصبح موقع قبرص مركزًا مهمًا لمراقبة وإدارة العمليات العسكرية في الشرق الأوسط، بفضل قربه من مناطق النزاع في تركيا وسوريا ولبنان ومصر وغزة ، حيث تمثل قبرص منصة مهمة لتقديم الدعم العسكري واللوجستي للقوات الغربية، كما تسهم في الحفاظ على استقرار المنطقة بما يتماشى مع المصالح الغربية ،ومع اشتداد الحروب الإقليمية، تتزايد أهمية قبرص كقاعدة دعم عسكري يمكن الاعتماد عليها ، لدرجة نستطيع القول أن القواعد العسكرية: تشكل ركائز الوجود الغربي في قبرص ، مثل :
1. القواعد البريطانية في أكروتيري وديكيليا
تمثل القاعدتان البريطانيتان في أكروتيري وديكيليا، اللتان تأسستا منذ اتفاقية استقلال قبرص عام 1960، أهم وأقدم القواعد العسكرية الغربية في المنطقة ، وتعمل هذه القواعد، التي تمثل نحو 3% من مساحة الجزيرة، كمراكز مراقبة وجمع للمعلومات الاستخباراتية، بالإضافة إلى تقديم الدعم اللوجستي للعمليات الأمريكية والأوروبية في الشرق الأوسط ، وكذلك قاعدة أكروتيري: تقع جنوب غرب قبرص، وتضم مستشفى، محطة أرصاد جوية، مما يجعلها نقطة انطلاق مهمة لسلاح الجو البريطاني ، وقد باتت القاعدة مركزاً للعمليات العسكرية وتدريب الطيارين، حيث تستضيف طائرات مقاتلة من طراز تايفون وإف-35 ، وقد استخدمت القوات الجوية الأمريكية مؤخرًا القاعدة لدعم عملياتها العسكرية ولتقديم المساعدات اللوجستية لإسرائيل ، وأيضا
قاعدة ديكيليا: تقع شرق قبرص، وتعتبر مركزًا استراتيجيًا، يستخدمه الجيش البريطاني لتمركز القوات وتدريبها ، وكما توفر الدعم لقوات الأمم المتحدة الموجودة في الجزيرة.
2. القواعد الأمريكية ومراكز التجسس ، فعلى الرغم من عدم وجود قواعد أمريكية رسمية في قبرص، إلا أن الولايات المتحدة تستخدم القواعد البريطانية والمرافق المحلية لتنفيذ عملياتها في الشرق الأوسط ، وقد حصلت القوات الأمريكية على إذن لإقامة قاعدة عسكرية في أكروتيري منذ عام 1974، حيث تتمركز هناك طائرات استطلاع ووحدات عسكرية أمريكية ، وتستخدم هذه المنشآت لمراقبة التحركات العسكرية وجمع المعلومات الاستخباراتية، خاصة حول نشاطات الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط ، وخلال الأعوام الأخيرة، وجهت شخصيات بارزة في المنطقة انتقادات واضحة لقبرص، محذرة من تبعات تحالفها مع إسرائيل ، ففي يونيو/حزيران الماضي، وجه الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصر الله تحذيراً إلى الحكومة القبرصية، مشيراً إلى أن فتح المطارات والقواعد للعدو الإسرائيلي يجعل من قبرص شريكاً في النزاعات الدائرة، مما دفع المقاومة إلى التعامل معها كجزء من الصراع ، كما شدد وزير الخارجية التركي هاكان فيدان على أن قبرص أصبحت مركزاً لعمليات إسرائيل في المنطقة، محذراً القبارصة من أن يصبحوا جزءًا من الصراع الكبير في الشرق الأوسط ، وتبرز قبرص، ليس فقط كحليف عسكري مهم للغرب وإسرائيل، بل أيضاً كمركز اقتصادي حيوي بفضل موقعها البحري واكتشافات الغاز في المنطقة ، و يمثل وجود القواعد العسكرية الغربية ضمانة أساسية لتحقيق مصالح القوى الكبرى في شرق المتوسط، كما أن التعاون بين نيقوسيا وتل أبيب في مجال الطاقة جعل من الجزيرة منصة استراتيجية لإمدادات الطاقة، مما يعزز استقرار المصالح الغربية ويرسخ دور قبرص كقاعدة دعم أساسية لحلفائها الغربيين . ناشطة في حقوق الإنسان على المستوى العالمي .