في خطوة تُضاف كأنها لعنة جديدة إلى فصول مأساة الشعب الفلسطيني، صوت الكنيست الإسرائيلي مؤخرًا لصالح قرار بحظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا».
القرار، الذي جاء مصحوبًا بتصفيق بنبرة انتصار، يحمل في طياته تداعيات كارثية على حياة مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين، ويشكل تهديدًا وجوديًا يتجاوز الاحتياجات الإنسانية ليطال حقوقهم التاريخية. هذا الحظر ليس مجرد قرار سياسي؛ بل هو فصل جديد في مأساة اللجوء، حيث تُغلق أبواب الأمل أمام شعب ينتظر العودة منذ عقود.
الوكالة التي أنشأتها الأمم المتحدة بعد نكبة 1948 لتوفير الإغاثة والتعليم والرعاية الصحية للاجئين الفلسطينيين، باتت الآن في مرمى سياسات تهدف إلى طمس الهوية وتدمير أي مظلة دولية تدعم وجود هؤلاء اللاجئين. وبمجرد دخول هذا القرار حيز التنفيذ، سيتحول الآلاف من اللاجئين إلى لاجئين فعليين داخل وطنهم، إذ سيحرمون من الخدمات التعليمية والطبية والاجتماعية التي كانت شريان حياة لهم وسط الظروف المأساوية لمخيمات اللجوء.
سياسيًا، يحمل القرار أبعادًا مأساوية؛ فمن الواضح أن «الكنيست» يستهدف «الأونروا» كجزء من استراتيجية أوسع للتشكيك في حق العودة وطمس الرواية الفلسطينية. وكأن إسرائيل تحاول، بشكل سافر، إعادة صياغة التاريخ ومسح الذاكرة الجماعية لشعب هُجّر من أرضه. والرسالة الضمنية هنا واضحة: «لا حق لعودة من لا يُعترف به أساسًا كلاجئ. »
قرار الكنيست بحظر «الأونروا»؛ بلا شك له تداعيات كبيرة على حياة اللاجئين، ليس فقط في فلسطين ولكن أيضًا في الدول المضيفة لهم. هذا القرار ليس مجرد إجراء تنظيمي إسرائيلي، بل هو جزء من سياسة إسرائيلية أوسع تستهدف تفكيك المجتمع الفلسطيني في المخيمات وتهجير الفلسطينيين، وبهذا تعود إسرائيل الى سياسة «التطهير العرقي» الممنهج. باستهداف مؤسسة دولية توفر للاجئين خدمات حيوية في التعليم والصحة والنظافة، ما يجعلها منبراً للحفاظ على الهوية الفلسطينية في مواجهة محاولات التهميش والتجريد.
دولياً ؛ الدبلوماسيون الذين رفضوا هذا القرار يرون أن الأونروا، كانت تساهم في الحفاظ على استقرار هش في المنطقة. وأن استمرار عملها يعد ضرورةً لتحقيق الاستقرار في المنطقة، إذ تقدم الوكالة الدعم التعليمي والصحي والاجتماعي للفلسطينيين الذين لا يستطيعون الحصول على هذه الخدمات من أي جهة أخرى
فما الذي سيحدث الآن؟ سيتحول اللاجئون إلى رهائن للوضع السياسي، حيث يصبح التعليم حلمًا ضبابيًا والصحة رفاهية صعبة المنال. أما المجتمع الدولي، فيواصل إصدار بيانات الشجب والاستنكار، فيما يغرق اللاجئون في دوامة التهميش والإقصاء.
قرار حظر الأونروا لا يشكل مجرد تهديد للخدمات اليومية المقدمة للاجئين، بل يعد خطوة نحو محاولة تصفية القضية الفلسطينية وتهجير اللاجئين وتفكيك هويتهم التاريخية. وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته تجاه الأونروا كمنظمة أممية، والعمل على ضمان استمرارها في أداء مهامها الإنسانية، بما يحقق العدالة ويحافظ على حقوق اللاجئين الفلسطينيين.
اليوم، ومع غياب «الأونروا»، سيظل اللاجئ الفلسطيني محاصرًا بين الحاجة والأمل، إذ يصبح حق العودة مجرد شعار فارغ، بينما يقف العالم متفرجًا أمام مأساة تتكرر فصولها، وكأن الحل الوحيد المتبقي هو انتظار معجزة… أو مزيد من القرارات العابثة.