تعيش المنطقة مرحلة من التوترات المتصاعدة بين محور المقاومة وإسرائيل، حيث تبدو الخيارات أمام الطرفين ضيقة، ومليئة بالتحديات، لدرجة باتت خيارات كل طرف تشكل اختباراً لقدراته على التحمل والمناورة ، ومع إعلان نتنياهو استعداد إسرائيل لحرب شاملة بعد سلسلة اغتيالات طالت شخصيات قيادية مؤثرة، يتساءل كثيرون عن مدى انعكاس هذا التصعيد على مستقبل المنطقة واستقرارها ، في حين تشير التطورات الأخيرة إلى توجه واضح لكل طرف نحو تعزيز موقفه على الأرض، ففي الوقت الذي يتمسك محور المقاومة بتكتيك الاستنزاف لإضعاف إسرائيل على مدى أطول، ترى إسرائيل في التصعيد النوعي وسيلة للخروج من دائرة التحديات المتصاعدة التي تواجهها ، وقد حدد الطرفان بوضوح معايير غير قابلة للتنازل ، مثل ، لا قبول بالاستهدافات النوعية من كلا الطرفين، ولا توقف لدعم جبهات الإسناد، مما جعل الصراع أكثر تعقيداً ،
واستراتيجية محور المقاومة ، ما زالت قائمة على الاستنزاف لتعزيز الضغط طويل الأمد ، حيث
يرى محور المقاومة أن الاستنزاف الطويل هو أفضل خيار لتقويض القوة الإسرائيلية دون الانخراط في مواجهة مباشرة واسعة، ما يؤدي إلى إنهاك مواردها وبنيتها الداخلية بمرور الوقت ، وهذه الاستراتيجية تأخذ في الحسبان ليس فقط الأثر العسكري المباشر، بل أيضاً التأثير النفسي والاقتصادي الممتد على المجتمع الإسرائيلي، الذي قد يؤدي إلى تآكل القدرة الإسرائيلية على المواجهة المتواصلة ، فهي معركة تعتمد على إضعاف الخصم تدريجياً بدلاً من الهجوم المباشر، مع إبقاء إسرائيل في حالة من القلق المستمر والضغط المتزايد ، وعلى الجانب الآخر، يراهن نتنياهو على التصعيد النوعي كاستراتيجية لاستعادة زمام المبادرة، معتقداً أن الإصرار على الاستنزاف يهدد بقاء إسرائيل واستقرارها على المدى البعيد ، وفي ظل الإغتيالات الأخيرة التي استهدفت شخصيات بارزة في المقاومة، مثل فؤاد شكر وإسماعيل هنية، وحسن نصر الله ، وهاشم صفي الدين ، ويحيى السنوار ، وغيرهم ، اعتبر نتنياهو أن الوقت قد حان لاتباع سياسة أكثر حسماً، حتى لو كان ذلك يعني التصعيد الواسع ، ومن خلال هذه التحركات، نستطيع القول أن نتنياهو يسعى إلى توجيه رسالة قوية للمقاومة ولحلفائها، مفادها أن إسرائيل لن تتردد في حماية مصالحها الأمنية، حتى لو أدى ذلك إلى تصعيد شامل ، ولعل ما يزيد من هذه التوترات ، ومن تعقيدها موقف الولايات المتحدة التي تجد نفسها ملزمة بدعم حليفها الإسرائيلي من ناحية ، مع تفادي الدخول المباشر في الصراع من ناحية ثانية ، ويُظهر هذا الموقف دقة التوازن الذي تسعى إليه الولايات المتحدة في المنطقة، حيث ترغب في دعم إسرائيل مع عدم الانجرار إلى حرب مكلفة جديدة في الشرق الأوسط ، وقد ساهم هذا التوازن في تعزيز قدرة محور المقاومة على مواصلة استراتيجيته الاستنزافية بشكل يقلل من فرص الدعم المباشر لإسرائيل على الأرض ، إلى أن أصبحت المنطقة بين الاستنزاف والمواجهة الشاملة ، عبر حسابات معقدة وتوازن هش ،
إذن، تُظهر الأوضاع الحالية صراعاً مفتوحاً بين الاستراتيجيات، مع تقاطع مصالح ومواقف معقدة ، فقد وصل الوضع إلى مرحلة حرجة ، حيث يقف كل طرف أمام خيارين متناقضين: إما القبول الضمني بواقع استنزاف متبادل مصحوب بردود محدودة، وهو خيار يُصعب قبوله من الجانبين، أو استمرار إسرائيل في التصعيد النوعي مع ما يحمله من مخاطر، وهو الخيار الذي يتناقض مع مصالح محور المقاومة ، وفي هذه المعادلة، تتضح صعوبة الحسم العسكري وارتفاع التكاليف المحتملة لأي انزلاق نحو مواجهة شاملة، مما يجعل المنطقة أكثر عرضة للتوترات طويلة الأمد ،وتعكس هذه المرحلة اختباراً حقيقياً لاستراتيجيات الحروب الحديثة في منطقة شديدة التعقيد، حيث تتداخل القوة العسكرية مع العوامل السياسية والاقتصادية لتشكل بيئة مواجهة طويلة الأمد ، وبين حسابات الاستنزاف والتصعيد، يبقى الشرق الأوسط في دائرة صراع قد يمتد لسنوات قادمة، يتطلب فيها الطرفان قدرات استثنائية للتعامل مع معادلات غير ثابتة، حيث يمكن لأي تصعيد أن يغير شكل المنطقة بطرق غير متوقعة ... !! خادم الإنسانية .
مؤسس هيئة الدعوة الإنسانية والأمن الإنساني على المستوى العالمي .