أمس الأول انطلقت الدورة العادية الأولى لمجلس النواب الـ20؛ وأعلن جلالة الملك عبدالله الثاني بأن بسم الله وعلى بركة الله تنطلق أعمالها، وتنطلق معها جهود السلطات الدستورية من أجل المستقبل الأردني..
من بين أهم المحاور التي وردت بخطاب جلالة الملك حين أعلن انطلاق أعمال مجلس الأمة، المحور المتعلق بالمستقبل الأردني، أي مستقبل دولتنا وبلادنا وشعبنا، حيث جاء التوجيه الملكي واضحا، واعيا لظروف المرحلة وأولوياتها، ويختصر الموقف الأردني بعبارة «لن نغامر».
هذه العبارة نفهمها جيدا، ونفهم بواعثها الكبيرة، التي تقدم لنا شدة خطورة وحساسية ظروف الدولة، لكن كيف سيفهمها الأردنيون، وكيف ستتعامل السلطات والإعلام والنخبة مع مدلولات هذه العبارة، التي تأتي أهميتها بأنها وردت من خلال خطاب العرش، الذي يحدد فيه رأس الدولة أولويات هذه الدولة للمرحلة المقبلة.
سوف تتعدد تفسيرات هذه العبارة، لكن يوجد تفسيران متناقضان سيطفوان على كل الجهود والمواقف الساعية لعدم المغامرة بالدولة وبمستقبلها، وهما يعتمدان على الموقف من قضية فلسطين، وحرب الإبادة الجارية في غزة وغيرها منذ أكثر من عام، حيث ستجنح المعارضة لتفسير هذا التوجيه على هذا النحو، وبالطبع ستكيل الاتهامات للحكومة ولمؤسسات الدولة، بالتقصير .. الخ الأوصاف المتداولة.
أما الحكومة وجزء كبير من النخبة، سيعتبرون التوجيه محض التزام بما يقوله جلالة الملك بهذا الصدد، وسوف تدافع عن نفسها في مواجهة اتهامات المعارضة الكثيرة الجاهزة والقابلة للتسويق.
الرأي الوطني وقل الشخصي، سيكون رأيا ثالثا في ظل وجود هذين التفسيرين، حيث يلتزم هذا الرأي بالمصالح الوطنية الأردنية، ويتناول عبارة جلالة الملك باعتبارها لا تتعلق بساحة خارج الحدود الأردنية المعروفة، فعدم المغامرة بالأردن وبمستقبله وبمصالحه وهويته وترابه وموارده واستقلاله واستقراره، تقع في عين التهديد اليوم، على خلفية النوايا الإسرائيلية والأمريكية، الساعية لتوسيع «إسرائيل»، وترجمة مشروع إدارة ترامب السابقة المعروفة بـ»صفقة القرن»، ترجمة عملية سريعة وجديدة، مستغلة حالة غياب القانون والعدالة التي تجثم على صدر العالم على خلفية حرب الإبادة.. فالأردن ومستقبله، ومصالحه وحتى هويته هي المستهدفة من وراء هذا «التوسّع»، وهذا هو الخطر الذي قد ينبثق عن مواجهته مغامرات بالأردن ومستقبله.
الجهود يجب أن تكون وطنية، تجمع كل الأردنيين ومؤسساتهم وسلطاتهم الدستورية، لتقف صفا واحدا، وتتخذ موقفا واحدا لحماية الأردن ومستقبله، وعدم الانزلاق لأتون المغامرات، فكل المواقف التي تتوخى الدفاع عن الأردن مطلوبة وصادقة، لكن سيبدو كثير منها «مغامرة» غير محسوبة، فالطرف الآخر لم يؤمن يوما بقانون، ولم يتمتع بخلق، ويتصرف بعقلية العصابات «البراغماتية»، التي تستغل كل فرصة لتحقيق مكاسب جديدة، مهما نجم عنها من كوارث في المنطقة والعالم.
سنتابع مواقف كثيرة متناقضة، وربما جهوداً وطنية صادقة تسعى لحماية الأردن، لكنها لن تكون محمودة النتائج، ما لم تنطلق من أكبر مقدار من الإجماع والالتزام بمستقبل البلاد واستقرار واستقلال البلاد.
هذا التوجيه الملكي بعدم المغامرة بالأردن ومستقبله ومصالحه ومكتسباته، استراتيجي، موضوعي، ولم يطلقه جلالة الملك إلا لأنه يشاهد كل الصورة، ويتحمل كل المسؤولية والأمانة، ويفهم المزاج السياسي المتطرف الذي يسيطر على المنطقة وملفاتها، وهي حالة تبرر مثل هذا التوجيه الذي ينطوي على حذر سياسي ديبلوماسي شديد، وحسابات «غير مرئية» بالنسبة لنا جميعا، لكن الملك يعرفها ويدرك حجمها ومساحتها وهو من يمكنه أن يتوقع احتمالاتها.